محمد سعد عبد الحفيظ
“مش أحسن ما تبقوا زي مصر”
“قالت مصادر مطلعة إن جهازاً أمنياً، لم تسمه، كلف عدداً من أعضاء مجلس النواب عن ائتلاف «فى حب مصر»، الذي خاض الانتخابات البرلمانية الماضية، واستحوذ على الأغلبية، بإعداد قوائم لخوض انتخابات المحليات، لضمان تبعيتها للدولة، خوفاً من تسلل أعضاء تابعين لجماعة الإخوان، أو أحزاب معارضة للنظام، إلى المجالس المحلية”.
وأضافت المصادر أن الجهاز الأمنى طالب النواب بوضع ترشيحات للقوائم على مستويات المحافظة والمدينة والمركز والقرية، بشكل فردي من كل نائب على حدة، مشيرة إلى أن الأمر يتم في سرية تامة، وأن بعض النواب وضعوا ترشيحاتهم بالفعل وأرسلوها للجهاز، قبل أيام، خاصة أن الجهاز طالب النواب بإرسال ترشيحاتهم في موعد أقصاه، الجمعة، ما اعتبرته المصادر إشارة إلى اقتراب إجراء الانتخابات”.
ما سبق خبر نشرته “المصري اليوم” في صدر صفحتها الأولى يوم الأحد الماضي، ورغم انتشار الخبر بشكل لافت على مواقع السوشيال ميديا، منذ رفعه على موقع الجريدة الالكتروني، إلا أن السادة نواب “دعم مصر” بالمجلس الموقر، والسادة ضباط الجهاز المعني “عملوا نفسهم من بنها”، فيما كفى الزملاء بالجريدة على الخبر “ماجور”، واكتفوا بالطلقة الأولى، فلم يتابعوه كما تفرض مقتضيات المهنة، أو يتلقوا عليه ردود فعل من الأطراف المعنية.
الجهاز المعني الذي ذُكر في الخبر له سوابق، في تأسيس المؤسسات المنتخبة، فصحيفة الحالة الجنائية للجهاز، كشفت عن سابقة إطلاق قائمة “في كره مصر” التي خاضت انتخابات مجلس النواب، وتمكنت من حصد كل المقاعد المخصصة لنظام القوائم، وبرعاية الجهاز إياه تم الضغط على نواب مستقلين وحزبيين للانضمام إلى تكتل “دعم مصر” التطور الطبيعي لـ “كره مصر”، واستحوذ التكتل الأجهزاتي في النهاية على أغلبية مقاعد البرلمان.
قصة تأسيس الجهاز لـ”دعم مصر”، معروفة ونشر تفصيلها الناشط حازم عبد العظيم مسئول ملف الشباب السابق في حملة المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي في يناير الماضي، كما تحدث عدد من نواب البرلمان الحالي الذين اختلفوا مع التكتل فيما بعد على تقسيم “التورتة” عن تدخله في أعمال “الموقر”، ورغم ذلك لم يصدر من الجهاز أي نفي أو توضيح حتى تاريخه.
في زمن “المخلوع” مبارك، كان جهاز مباحث أمن الدولة يشارك في تشكيل المؤسسات المنتخبة “شعب وشورى ومحليات”، لكن دوره كان يقف عند إجراء التحريات والتفتيش في تاريخ السادة نواب الشعب، أما التخطيط والاختيار فكان متروك للسياسيين في الحزب “المنحل”، بحسب شهادة محمد رجب آخر أمين عام للحزب الوطني التي نشرها زميلنا محمد خيال في “الشروق” يناير الماضي.
رجب قال في شهادته: أيامنا كنا نذهب إلى الأمن فى أوقات ونطرح نحن عليه الأسماء التى اخترناها وكان دوره إعطاء المعلومات المتاحة لديه عن الشخصيات، والأطراف السياسية هى من تتخذ القرار النهائى على مسئوليتها، وكان هناك تبادل للآراء ولا يتم ترك العملية السياسية للأمن، لأن تركها بشكل كامل للأمن ستكون عواقبه وخيمة، فالأمن يخضع للسياسة لكن السياسة لا تخضع للأمن.
بحكم القواعد التي أقرتها “دولة 30 يونيو”، انتقل ملف تشكيل المؤسسات المنتخبة إلى أجهزة لم يكن لها سوابق علاقة بهذا الملف، ومع تشعب الأمور أخضعت تلك الأجهزة كل المؤسسات السياسية لولايتها، وأصبح لكل مؤسسة ضابط اتصال مسئول يمنع ويمنح ويأخذ القرارات، يعطي الضوء الأخضر لتمرير قوانين، ويحيل نواب إلى لجنة القيم، ويُسقط عضوية نواب تجاوزوا الدور المرسوم لهم، ويُوقف قرارا برفع الحصانة عن رجاله، ويُعطل أحكام قضائية نهائية بدخول نائب خارج عن سيطرته.
سيطرة الجهاز طالت باقي “دكاكين” الدولة الإعلامية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، وتدخله فيما يعلم وما لا يعلم، أنزل على كل القطاعات الكوارث، فتخطى الدولار حاجز الـ18 جنيه في البنوك، واقترب الدين الخارجي من 60 مليار دولار، وارتفع الدين المحلي إلى 3.1 تريليون جنيه، واشتعلت أسعار السلع وتراجعت الدخول فتحول معظم المصريون إلى فقراء لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الاساسية، واختفى الدواء من الأسواق ففتح الموت ذراعيه لفقراء المرضى.
سيطر عملاء الجهاز على عرش الإعلام الحكومي والخاص، فحوصرت المهنة وانتهى الحال بأصحابها الأصليين إما في أقفاص الاتهام أو في منازلهم أو مقيدين في مقار عملهم.
الجامعات تحولت إلى محاكم تفتيش يحال فيها كل صاحب رأي مخالف إلى التحقيق، واتحادات الطلاب تم تعطيلها مع سبق الاصرار والترصد.
تسلم “نور عينينا” البلد من مبارك “خرابة” على حد تعبيره، لكنه بشرنا بأنه “هيخليها أد الدنيا”، ووعدنا أننا “هنشوف العجب بعد سنتين وهنستغرب هي بقت كدة إزاي”، لكنه أطلق رجال الأجهزة الجديدة فعبثوا وتلاعبوا في أساس البلد، وهو ما ينذر بانتقالنا من محطة “شبه الدولة” إلى محطة “اللادولة”، وليس من المستبعد مع استمرار تلك السياسات، أن تتحول “أم الدنيا” إلى معيرة، فيحذر أهل الحكم في دول الجوار مواطنيهم بعبارة “مش أحسن ما تبقوا زي مصر” ليقبلوا بما هم فيه.