الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
تفرغ القاضي
لا يقضي القاضي. وهو غاضب ولا يقضي وهو منشغل البال ولايقضي وهو جائع أو وهو حزين.
نعم لابد أن يكون القاضي - حين تصديه للفصل في نزاع بين متقاضين - مجردا من كل الهواجس وكل المشاغل حتي يمكن الفصل بذهن صاف لذلك قال اجدادنا "الفاضي يعمل قاضيا" فهم العامة ان القضاء عمل من ليس له عمل. لكن حقيقة هذا القول كما أراد أجدادنا ان القاضي لابد ان يكون متفرغا لعمله لا يشغله ومن هنا قال سيد الخلق "من ولي لنا أمرا ولم يكن له دابة اتخذنا له دابة" ومن لم يكن له بيت اتخذنا له بيتا ومن لم يكن له خادم اتخذنا له خادما الاسلام يعرف أهمية الاتقان في العمل الذي يتطلب تفرغ العامل المسئول عن الولاية وأمور الناس لعمله فيتقنه.
وفي حياتنا القضائية لم نعرف الشارع في أكثر الأيام الا لصلاة الجمعة أو للذهاب الي المحكمة.. القاضي المهموم بعمله ما ان يستقر في نومه حتي يستيقظ منتفضا في منتصف الليالي ليقرأ ما كتب من احكام ليمحوا ويكتب غيره الذي يعتقد انه افضل في الوصول الي الحق.
والصبر علي القراءة في الكتب وملفات القضايا صفة يتميز بها القاضي.
لعشقنا المتغلغل في النفس والقلب للقراءة كنا نردد مع القائلين ان القراءة تحتاج الي عمر نوح وصبر أيوب ومال قارون.. عشقنا هذا ومارسنا للقراءة منذ سنوات الصبا. هو من عودنا علي الصبر في قراءة ملفات القضايا وتعلمناه من أساتذتنا الافاضل ونقلناه الي تلاميذ محبين لنا ولعملهم المقدس إذ إني اعتقد اعتقادا جازما أن تعلم القانون وتذوقه والقدرة علي الفعل في النزاعات والحكم فيها يحتاجان الي معلم مثلما ان حفظ القرآن الكريم لابد أن يكون علي يد أحد الحفاظ لكتاب الله عز وجل وله المثل الاعلي.
التفرغ للعمل القضائي شرط أساسي لممارسته اذ لايصح اطلاقا ان يكون القاضي لديه ما يشغله عن عمله الذي قدره الله عليه والقضاء هو العمل الوحيد الذي لايتفوق صاحبه اذا ما شغله عملا آخر واستغراق الذهن والقلب والاحاسيس والمشاعر في عمل القضاء لايدع لدي القاضي وقتا يستثمره في عمل آخر.
كما انه - كما سبق ان قلنا في المقدمة ان القاضي لايقضي وهو غاضب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف