الجمهورية
بسيونى الحلوانى
بجاحة المرتشين.. في مصر!!
رغم العقوبات القاسية التي تنتظر كل من يتورط في جريمة رشوة.. كبيرة كانت أو صغيرة.. والفضائح التي تنتظره وتلحق العار بأسرته وأهله. إلا أن كثيرا من موظفي الدولة الفاسدين يتمتعون بـ "بجاحة" غريبة و"بلاده" إحساس يستحقونها. فهم لا يعيرون اهتماما بما قد يلحق بهم من عقاب وما يؤول إليه حالهم لو سقطوا في يد أجهزة الرقابة. ولذلك يطلبون الرشوة صراحة أو تلميحا. ويتقبلونها بسعادة واطمئنان. ويغضبون لو كانت أقل من "التسعيرة" التي يضعونها للمواطنين الذين يدفعون لسرعة انجاز مصالحهم أو علي ما ليس حقا لهم.
هؤلاء الفاسدين الذين ينتشرون في العديد من أجهزة الدولة لا يزالون يمارسون هواياتهم القبيحة في ابتزاز المواطنين ويحصلون منهم وخاصة البسطاء علي ما يريدون من أموال حرام ويستخدمون حيلا غريبة لاتخفي بالطبع علي الاجهزة الرقابية رغم انهم يعلمون ان الدولة رفعت كل سيوفها لمواجهة الفساد وردع الفاسدين ومحاصرة جرائم الرشوة والتربح من الوظيفة وتم حبس وزراء ومسئولين كبار واسترداد ما نهبوه من أموال الشعب.. وهذا وحده كان يكفي لتخويفهم ووقف فسادهم .. ولكنه لم يحدث!!
والسؤال المهم هنا: لماذا يستمر الفساد في كثير من مؤسسات الدولة و "ينتشر ويتوغل" في مؤسسات من بينه مهامها الكبري مواجهة الفساد وملاحقة الفاسدين؟
هل يحدث هذا لان الفساد اصبح ثقافة لايمكن التخلي عنها.. أم لأن الاجهزة الرقابية تغض الطرف عن السلوك الفاسد لصغار الفاسدين وتصطاد بعض كبارهم عملا بشعار "اضرب الكبير يخاف الصغير".
في مصالح حكومية كثيرة لاتزال مصالح الناس تقضي بالرشوة.. والرشوة جريمة مهما قل قيمتها والموظف الذي يحصل علي عشرة جنيهات رشوة لا يختلف كثيرا عن الذي يحصل علي مليون كل منهما يحمل لقب "مرتشي" ويجب مواجهته حتي يكون عبرة لغيره من الفاسدين.
في الطريق العام وأمام عدد من المواطنين مد الموظف العام يده وحصل علي الرشوة ووضعها بكل بجاحة في جيبة لكي يتغاضي عن مخالفة يعاقب عليها القانون والمبلغ الذي حصل عليه 50 جنيها كما رأيتها أنا. وهذا الموظف المرتشي فوت علي الدولة تطبيق القانون- وهذه أكبر الخسائر فضلا عن عدم تحصيل غرامة قيمتها الفين من الجنيهات. والابشع من هذا انه بهذا السلوك الفاسد نشر مشاعر الاحباط بين المواطنين الشرفاء الذين ينصاعون لحكم القانون ويدفعون قيمة ما يرتكبون من مخالفات.
لابد ان نعترف في شجاعة بأن جريمة الرشوة ترتكب كل يوم في مختلف أجهزة الدولة حيث لايزال صغار الموظفين وبعض كبارهم في مختلف المصالح الحكومية يمارسون هوايتهم القبيحة دون وازع من ضمير أو خوف من عقوبة قانون أو خشية من فضيحة ولم تعد قصص المرتشين والفاسدين التي تنشرها وسائل الاعلام من وقت لآخر تخيف هؤلاء ويخشون ان يلحق بهم وبأسرهم وزقاربهتم الخزي والعار.
وهذه البلادة والاصرار علي ممارسة الفساد يفرض علي كل أجهزة الرقابة ان تنشط وتكثف جهودها وتطور من أدواتها لكي تخترق مافيا الفساد الاداري والمالي والذين يمارسون كل يوم جرائمهم دون ان تطالهم يد العدالة .
وإذا كنا نوجه التحية لجهاز الرقابة الادارية علي ملاحقته لبعض الفسادين ولصوص المال العام فلا تزال الامال معقودة علي هذا الجهاز الرقابي في ملاحقة مافيا الرشوة الذين يمارسون نشاطهم الاجرامي والقبيح بكل بجاحة ويحصلون علي المال الحرام دون وازع من ضمير أو أخلاق. وهؤلاء موجودون في كل أجهزة الدولة ولم تنجح الضوابط الادارية في محاصرتهم ووقف جرائمهم حتي الان رغم حالة الاستنفار القصوي ضد الفساد.
الحقيقة التي يجب ان تعترف بها كل الاجهزة المعنية بالمواجهة ان الفساد في العديد من مؤسسات الدولة أصبح "روتينا" يوميا وان الاجراءات التي اتخذت لمحاصرة الفاسدين وملاحقة المرتشين والتي تضاعفت في السنوات الاخيرة ليست كافية حيث لا يزال الفاسدون يمارسون جرائمهم بكل جرأة دون رادع من ضمير أو خوف من أجهزة روقابية أو عقوبات مغلظة ينص عليها القانون.
إلي جوار مسكنتي تعرفت علي رجل بسيط يؤمن بأن كل شئ لا يتم إلا بعد الدفع وكلما أحاول إقناعه بأن الوضع ليس بهذا السوء ينظر إلي كلامي باستهانة ويفهم أنني من الذين لا هم لهم إلا تبييض وجه النظام حتي التقينا في الطريق وطلب مني مساعدته في نقل إبنه من العمل بالاسماعيلية إلي القاهرة لمرض والدته فوعدته بالمساعدة وتوصية أحد زملائي عليه وبالفعل حدث أن أوصي الزميل العزيز أمامي أحد قيادات الوزارة.. ومرت الايام ونسيت الموضوع حتي قابلني الرجل مرة أخري منذ أيام فسألته عن ما حدث مع إبنه.. فتلقيت ردا مقتضبا وصادما.. الحمد الله نقلناه بثلاثة الآف جنيه!!
كثيرا ما كنت أعتقد أو أتوهم بأن مصر بعد الثورتين قد تغيرت كثيرا. وكنت أسعد بخبر إحالة موظف إلي التحقيق أو المحاكمة لتقاضيه 20 أو 30 جنيه رشوة. وأحرص علي إبرازه في الصفحة الاولي رغم منآلة المبلغ لكي يكون رسالة لكل موظفي الدولة الذين ادمنوا الفساد ويبيعون ضمائرهم ويهدرون حقوق الشرفاء مقابل حفنة من المال الحرام.. لكن اتضح انني كنت واهما أو "مغفلا" لان الفساد لايزال ينخر في عظام كثير من مؤسسات الدولة وما دامت الجماهير الفاسدة تدفع فسوف تجد حتما من يقبض ويقضي لها مصالحها علي حساب الشرفاء الذين يتمسكون بالنزاهة والشفافية ويصرون علي القيام بواجبهم في مواجهة الفساد.. وما دام كبار الموظفين لايحاسبون من يعمل تحت أيديهم ويضعون ضعاف النفوس في مواقع مهمة لقضاء مصالح الناس فلابد أن يستمر الفساد وينتعش الفاسدون.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف