اليوم السابع
خلف أحمد الحبتور
يوم للاحتفال والامتنان والتفكير
أنتمى إلى جيل كان له امتياز أن يشهد على التحول الكبير الذى عرفته الإمارات العربية المتحدة بعدما كانت جزءاً من الإمارات المتصالحة المغمورة الخاضعة للإدارة البريطانية، فى زمنٍ كنّا نخوض صراعاً يومياً من أجل البقاء، ولذلك، مع حلول العيد الوطنى فى كل عام، يغمر قلبى شعور بالفخر والاعتزاز بكل الإنجازات المدهشة التى حقّقتها بلادنا.

فبعد بدايات متواضعة وملتبسة، تغلّبت الإمارات السبع على الكثير من التجارب والمحن، وتحوّلت إلى نموذج حى عن الحداثة والسلام والازدهار، واحتلّت مرتبة متقدّمة على الساحة العالمية فى مختلف الميادين تقريباً.

يُحتفَل بالعيد الوطنى الخامس والأربعين هذا العام، كما فى أعوام كثيرة فى السابق، بتنظيم المهرجانات وعروض الألعاب النارية والحفلات الموسيقية وغيرها التى يستمتع بها الإماراتيون والمغتربون والزوار الذين يتقاطرون إلى بلادنا. تنتظرنا عطلة نهاية أسبوع طويلة تحفل أجواؤها بالسعادة والبهجة العارمتَين. ترتسم الابتسامات على وجوه الجميع، وتزيّنها ضحكات الأطفال، ومن بينهم أحفادى الأعزاء.

لكن أبعد من ذلك، إنها فرصة لنا، نحن أبناء هذه الأرض، كى نقوم بوقفة تأمّلية ونرفع الشكر إلى الله سبحانه وتعالى على تلك النعِم التى أغدق بها علينا، وإلى القادة الذين ألهمونا كى نسعى وراء الحلم "المستحيل" بالاستقلال والتخلص من نير قوّةٍ أجنبية.

فى صغرى، لم أكن أجرؤ على أن أحلم بأى شيء على الإطلاق، اللهم ما عدا الحلم بامتلاك متجر صغير كى أتمكّن من إعالة والدَى وأشقّائى. كانت أحلام طفولتى تقتصر على العيش فى منزل حقيقى مجهّز بالتيار الكهربائى وتصل الماء إليه. لم يكن ليخطر فى بالى، حتى فى لحظات الخيال الأكثر جموحاً، أن مسقط رأسى دبى سوف تتحوّل إلى متروبوليس عصرية ديناميكية تتيح فرصاً لامتناهية لجميع مواطنيها، وتحظى بالاعتراف العالمى لما تتمتّع به من مكانة تجعل منها أمّة الأوائل حيث التفوق هو موضع تقدير، إنما أيضاً الهدف الأسمى للحكومة والشعب على السواء.

الاتحاد الذى أبصر النور مع رفع العلم الإماراتى الأحمر والأخضر والأبيض والأسود لأول مرة فى الثانى من ديسمبر 1971، صنعه رجالٌ نشأوا فى ظروف صحراوية قاسية تعانى من الشح فى الموارد المائية والغذائية – ومن القيظ الشديد حيث يصعب العثور على مكان للاتقاء من أشعة الشمس الحارقة. كانوا يشربون مياه الآبار التى تحتوى على نسبة قليلة من الملوحة، ويتشاركونها مع جِمالهم؛ كانوا يتحلّون بالانضباط، والاجتهاد فى العمل، كانوا شرفاء، ومتفانين على الدوام من أجل قبائلهم وفى سبيل النساء والأطفال الذين يعوّلون عليهم. إيمانهم برحمة الخالق ساعدهم على البقاء والصمود فى السرّاء والضراء.

مؤسِّسا الإمارات العربية المتحدة، حاكم أبوظبى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وحاكم دبى المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، كانا المحفِّزَين الأساسيين خلف توحيد الإمارات السبع.

كانا رؤيويَّين سابقَين لزمانهما، وقد أطلقا يداً بيد ثورة فى النمو الاقتصادى، فوضعا أساساً راسخاً طوّره نجلاهما، الشيخ خليفة بن زايد والشيخ محمد بن راشد، بنجاح باهر، إلى جانب حكّام الشارقة وعجمان والفجيرة ورأس الخيمة وأم القيوين.

يرصّ هؤلاء الحكّام صفوفهم، ويدعمون بعضهم بعضاً، ويحصدون ثمار جهودهم من خلال مشاعر الاحترام والمودّة والثقة العميقة والصادقة التى يكنّها لهم شعبهم. وسخاؤهم يمتد إلى خارج الحدود. إنهم أصحاب أيادٍ بيضاء مستعدّون لدعم البلدان الأخرى عند الاقتضاء.

منذ البداية، شكّل قادتنا نماذج تحتذى فى الخصال الحميدة ليس أقلّها الولاء والتصميم والابتكار. الإماراتيون على يقين تام بأن رفاههم يحتلّ حيزاً أساسياً فى جميع القرارات التى يتخذها القادة. الرابط بين المواطنين الإماراتيين وقادتهم هو رابط وثيق لا ينفصم ترسّخ على مر الأجيال، ما يؤمّن استمرارية الهدف. باختصار، نحن جميعاً أعضاء فى أسرة إماراتية واحدة.

غالباً ما تُسوَّق الديمقراطية الغربية على أساس أنها تجسّد النظام الذى ينبغى على جميع البلدان التطلّع إليه – وتُستخدَم أحياناً ذريعة لاجتياح البلدان الأخرى. لكن ما هو عدد رؤساء الدول الديمقراطيين الذين يستطيعون الزعم بأنهم محبوبون من شعوبهم؟ ما عدد القادة الذين يضعون مصلحة بلادهم قبل مسيرتهم المهنية؟ يكفى أن ننظر إلى العراق وليبيا واليمن وسوريا لنرى ما جلبته الديمقراطية لتلك الشعوب التى تعانى منذ وقت طويل. يمكن قول الشىء نفسه عن الولايات المتحدة التى تطغى على انتخاباتها المزاعم عن حدوث تزوير، ما يفرض إعادة فرز الأصوات.

لطالما شدّدتُ على أهمية الوحدة بين جميع الدول الخليجية. لقد شكّل إنشاء مجلس التعاون الخليجى خطوة أساسية فى ذلك الاتجاه، وكلّى أملٌ بأن يتحقق الاتحاد الاقتصادى والدبلوماسى والعسكرى المقترح ويؤتى ثماره. نحن أقوياء عندما نكون متكاتفين. معاً نستطيع الذود عن أراضينا. تبقى العلاقة الوطيدة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية من الركائز الأساسية لمجلس التعاون الخليجى.

أنتهز هذه الفرصة لأحيّى الملك سلمان بن عبد العزيز وفريقه على التزامهم تجاه إخوتنا وأخواتنا السعوديين، وعلى جهودهم الشجاعة لمساعدة البلدان المضطربة فى منطقتنا على استعادة توازنها، وكذلك على موقفهم فى درء الأفرقاء الإقليميين العدوانيين والتصدّى للمؤامرات الإرهابية. لقد شجّع الحزم الذى أظهره العاهل السعودى قادة الدول الأصغر حجماً على لمّ الشمل خلفه من أجل تحقيق الأفضل للجميع.

السعودية دولةٌ قيادية فى المنطقة قادرة على التكيّف مع الظروف الجيوسياسية والاقتصادية المتغيِّرة؛ وهى لا تحمى عقيدتنا وثقافتنا العربية وحسب، إنما تدافع أيضاً عن مصالح الدول العربية الأخرى التى تقف إلى جانبها.

سوف تواصل الإمارات العربية المتحدة، بإذن الله، مسارها التصاعدى مع أشقّائها فى السعودية وجميع الدول الخليجية. وحدتنا هى مصدر قوتنا وشموخنا، والآن أكثر من أى وقت مضى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف