الوطن
لميس جابر
وماذا تعرف عن الجيوش يا فتى؟
أخطأ الإعلام المصرى وتسرع وانفعل الإعلاميون المصريون فى سب المدعوة قطر وحاكمها واللى خلفوه.. لقد أدى هذا التسرع إلى تساوى الرؤوس، وهى من المستحيل أن تتساوى، ومن المستحيل أيضاً أن يتسبب هذا الفيلم الساذج فى الإساءة للجيش المصرى، ولكن هؤلاء المساكين يتصرفون بإملاءات على مَن ليس له إرادة، وكيف وقد انتُزعت منه بكامل إرادته فجاءت تصرفاتهم على قدر عقولهم ومعرفتهم وعلمهم.. الفتى ينفذ أمراً بضرب فكرة التجنيد الإجبارى، التى تولاها «البرادعى» من قبله وفشل.. يحاول ضرب الشكل المؤسسى للجيش المصرى، وهو التكوين الحديث للجيوش الكبرى، ولكن ماذا يعرف هذا الفتى عن الجيوش والدول والأوطان؟ ماذا يعرف عن مصر وجيشها وشعبها وحضارتها؟ هل يعرف أن التجنيد الإجبارى هو الذى يشكل الجيوش الوطنية، وأن البديل هو استئجار المرتزقة؟ وهل يعرف الفرق؟ هل يعرف أن التجنيد الإجبارى فى مصر بدأ فى عصر الملك خوفو، أى منذ خمسة آلاف عام؟ هل يعرف أن الجيش المصرى بقيادة أحمس قاد حرب تحرير من جنوب مصر وحتى فلسطين ساحقاً أمامه المحتلين بعد أن مات أبوه وأخوه فى ميادين الحرب منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة عام؟.. هل يعرف أن الجيش المصرى فى عصر الملك تحتمس الثالث تحول إلى مؤسسة عسكرية تماثل تماماً المؤسسات العسكرية الكبرى هذه الأيام؟ وأنه قاد سبع عشرة حملة حربية حتى احتل الشام كله وعبر نهر الفرات ووصل إلى مشارف الأناضول وأخذ نصف ليبيا وجنوباً وصل إلى السودان؟ هل يعرف أن الجيش المصرى صاحب أول إمبراطورية فى التاريخ؟.. لم يقرأ هذا الفتى الغرُّ المسكين عن جيش مصر أيام محمد على وكيف تخلص محمد على من كل فرق المرتزقة التى كانت تنسحب من المواجهات لو تأخرت عنها الأجور، ولم يقل له أحد إن إبراهيم باشا، أشهر الفاتحين العسكريين على مستوى العالم، قد اجتاح الجزيرة العربية كلها حتى وصل إلى مشارف قبائل أجداد الفتى فى عامين اثنين، وأنه وصل فى حروب الشام إلى «كوتاهية» وكاد يدمر السلطان العثمانى لولا تدخل الدول الكبرى التى خافت من هذا المارد القادم من أرض مصر وبأبناء مصر.. اقرأ يا فتى لتعرف أن تعداد الجيش المصرى أيام محمد على قارب على ربع المليون جندى بينما كان تعداد مصر كلها لا يزيد على الأربعة ملايين.. الجيش المصرى سافر إلى «القرم» ليحارب مع الجيش العثمانى ضد الروس عام 1855 أيام الوالى سعيد بعد أن استغاث السلطان بمصر بعد هزيمة جيشه.. الجيش المصرى اشترك فى حرب المكسيك لمدة أربع سنوات بعد أن طلب ذلك إمبراطور فرنسا نابليون الثالث لهزيمة جيشه الفرنسى هناك، وأمده سعيد باشا بألف ومائتى مقاتل وانتصروا، وقال قائد الجيش الفرنسى «إن هؤلاء ليسوا من الجنود بل هم أسود»، وكرمهم إمبراطور فرنسا فى استعراض مبهر فى باريس ووزع عليهم الأوسمة.

ماذا تعرف يا فتى عن أبطال مصر فى العصر الحديث؟ هل سمعت عن أحمد عصمت وجواد حسنى ومصطفى رفعت؟ هل قرأت عن مقاومة شعب بورسعيد الباسل الذى صدَّ عن مصر غزو ثلاث دول عام 1956؟ وعن بطولات المصريين حتى بعد هزيمة 1967 فى حروب الاستنزاف؟.. هل تعرف كيف دُمرت «إيلات» و«ميناء إيلات» من جيش مهزوم بعد يونيو بأيام؟.. لم تسمع بالطبع عن إبراهيم الرفاعى والشهيد أحمد حمدى و«عبدالعاطى»، الجندى المجند صائد الدبابات فى عام 1973، هل تعرف كيف تم عبور أكتوبر عندما كنت خارج الدنيا ولم تولد بعد؟.. هل رأيت أو سمعت عن بطولات الشباب الصغير المجند حالياً فى سيناء؟ هل سمعت فى أحد المستشفيات العسكرية من جندى مجند فقد رجله يطلب ويرجو أن يعود مجدداً إلى سيناء ليساعد زملاءه حتى لو كان العمل مسح البلاط أو غسيل الملابس؟ أنت حقاً معذور، لم تعش وسط شعب مثلنا، ولم تعرف أخاً ذهب إلى التجنيد، ولا أباً حارب ثلاث حروب، ولا ابن عم ذهب شهيداً وهو يدافع عن تراب مصر، لم تعرف معنى الوطن، ولا تراب الوطن، ولا عن العظمة، ولا عن المجند.

معذور حقاً، لم تسمع عن الشهيد الذى احتضن الإرهابى وهرول به بعيداً لينفجر معه إلى أشلاء فداءً لزملاء كتيبته، ولا عن الآخر الذى فجر بسلاحه عربة مفخخة وانفجر معها ليحمى الباقين.. لدينا قصص كثيرة لا يكفى عمرك المديد «طال عمرك» لتقرأها، فقد ولدت فى دويلة صغيرة تسبق عمر ابنى بعامين.. جاءتكم الأموال قبل الحضارة، وكل ما حدث أنكم استبدلتم الجمل بـ«المرسيدس» والماعز بـ«الكنتاكى»، وحينما تفجرت ثروة الغاز بحثتم عمن يحميكم ويقيم القواعد العسكرية على أراضيكم الصغيرة، ويقوم شعبكم المقهور على شئون النظافة والخدمة للأمريكان.. لا تنسَ نفسك يا فتى واقرأ جيداً، وحاول أن تعرف لعلك تصل إلى مرحلة الفهم بعد حين.. أما إعلامنا المصرى، الذى لا شك فى وطنيته، فأقول لهم ماذا يضير الهرم الأكبر أن يأتى له صبى صغير يرشقه بالنبلة ليلعب.. ترفعوا عن مساواة وطنكم الضارب فى جذور الدنيا والشاهد على حضارة الإنسان بهذا اللهو الصغير الذى لا يصدر إلا من الصغار.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف