الأهرام
محمد صابرين
«تعويم الإخوان» .. عندما تتحول «الأوهام إلى كوابيس»!
في بعض اللحظات تضغط «الرغبات المستحيلة» علي الناس - وأيضا الدول الهامشية لتتخيل «أشياء صعبة»، وتتجاوز منطق الأمور!. فقطر تخيلت - ولا تزال - أن القتال بالفضائيات يمكنه أن يكون بديلا عن الواقع الحقيقي. كما تصور أن البعض «دبلوماسية الشيكات» تكفي للسيطرة، وشيء من هذا كله رأيناه مع هيلاري كلينتون، ولم نزل نشاهد شيئا مماثلا مع جماعة الإخوان، فبعض أهل السلطة في الخليج تصور في لحظة من «الخدر الجميل» أن الأموال يمكنها أن تشتري كل شيء!! وفي الوقت الذي مضي المصريون في حياتهم، وأغلقوا «صفحة الإخوان» للنظر إلي المستقبل فإن الجماعة الإرهابية ومن يديرونها حافظوا علي أوهامهم بالعودة ثانية، وكان الرهان - ولا يزال - في ممارسة ضغوط سياسية واستقواء بالقوي الخارجية وجرعات محسوبة من العنف والإرهاب، والأخطر التلويح من القوي الغربية بأن العنف والإرهاب يمكن أن يكون أقسي وأكبر مالم ترضخ مصر. ولكن هؤلاء نسوا مقولة «الزمن» «مصر مقبرة الغزاة»، وأتباعهم عادة ما يذهبون إلي «مزبلة التاريخ». وهنا فإن المرء يندهش من تقرير لجنة الشئون الخارجية بالبرلمان البريطاني الصادر ليلة الاثنين السادس من نوفمبر، ولعل أخطر رسالة هي أن مصر كانت سوف تصبح أكثر عنفا لو دعمت جماعة الإخوان العنف أو أقرته، وتقول اللجنة في تقريرها - الذي استدعت للشهود فيه كبار قيادات الإخوان بالخارج - لم تصنف المملكة المتحدة جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ونحن - أي لجنة البرلمان البريطاني - نتفق معها في هذا القرار، وتصرح جماعة الإخوان بأنها لا تطمح إلي تحقيق أهدافها بالعنف. ولكننا نلاحظ أن الحكومة البريطانية تعتقد أن الجماعة قد تكون مستعدة للتفكير في العنف فيما لو لم يجد التدرج نفعا، ومع ذلك فإن ما يتوافر من دليل حتي الآن من داخل مصر يشير إلي أنه لو دعمت الإخوان العنف أو أقرته، لكانت مصر اليوم مكانا أكثر عنفا بكثير. ويندهش المرء عند لحظة التأمل لعبارات من نوع «لكانت» مصر سوف تصبح مكانا أكثر عنفا بكثير، و«الجماعة مستعدة للتفكير بتبني العنف»، تري هل هذه نصيحة أم تهديد، والسؤال الأخير: كيف يمكن أن نضع خلاصة اللجنة ذاتها «لقد وجدنا جماعة الإخوان منظمة كتومة وليست سرية»، تري هل ستعلن الجماعة عن جناحها العسكري والسري؟ وهل هذا يتصور؟. أم يكفي أن نعرف وتعرف السلطات أن هناك لجانا نوعية تتولي ما تطلق عليه «الحراك الثوري»!، والأمر الآخر وهذه أيضا إحدي خلاصات اللجنة البريطانية التي تقول «فيما يتعلق بالرسائل الصادرة عن الجماعة، لقد رأينا ما يدل علي أن بعض الجماعات الإسلامية السياسية توجه من الرسائل ما يختلف باختلاف المتلقي، وبشكل خاص، تجدهم ينوعون المحتوي بناء علي ما إذا كانت الرسالة بالانجليزية أم العربية، وأحسب أن الغرب والشرق ذاق الكأس المرة، وعرف حقيقة التزام هذه المنظمات والجماعات بالديمقراطية والاعتدال سواء ما كان يقوله الخميني في باريس، وما طبقه في طهران (إعدامات ديمقراطية)، أو طالبان أو جماعة الشباب في الصومال... إلخ. وفي هذه اللحظة التي يكثر فيها الجدل حول جماعة الإخوان، وإعلان الرئيس المنتخب دونالد ترامب عزمه علي وضعها علي قائمة الإرهاب، ورغم أن تقرير مجلس العموم البريطاني يقول «نحن ننتقد إنعدام الشفافية لدي جماعة الإخوان»، إلا أنها تعود لتوصي وزارة الخارجية البريطانية بأن تستخدم قدرة الإسلاميين السياسيين علي المشاركة كواحدة من المواصفات، لتمييز الانتخابات الحرة التي تجري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إنها باختصار «دعوة لتعويم الجماعة» ولا نقول فرضها علي الحياة السياسية المصرية، وأحسب أن هذا تدخل سافر في الشئون الداخلية المصرية، وبينما لجأت بريطانيا إلي «الوسائل الناعمة» المتناقضة، فإن قطر من خلال «قناة الجزيرة» واصلت عملها «بالتحريض علي الجيش المصري»، وأثارت كالعادة الكثير من الغبار، وفي الوقت نفسه واصلت تركيا استضافة واحتضان قنوات إخوانية تواصل التحريض ليل نهار علي كل ما يحدث في مصر. إلا أن النتيجة حتي الآن أن مصر تمضي في طريقها وهؤلاء مازالوا في أوهامهم!. وأدرك أن الإفاقة من الوهم عادة ما تكون صعبة، ومن بين الذين أفاقوا علي «حسن الأداء الديمقراطي» للجماعة المعتدلة هو نائب مرشد الإخوان الأسبق الدكتور محمد حبيب الذي أطيح به من منصبه في عملية مريرة. الرجل خرج ليضع 7 شروط يطالب الجماعة بتنفيذها قبل الشروع في «صلح مع النظام» وهذه الشروط هي: الاعتراف بأن ما حدث في 30 يونيو «ثورة» وليس انقلابا، عدم السعي بشكل أو بآخر لمحاولة الضغط علي مصر من خلال الاتحاد الأوروبي أو القنوات المفتوحة أو من قبل النظام القطري بتوجيه من قيادات الإخوان في الخارج، الاعتذار عما بدر منهم والاقرار بفشلهم في إدارة جميع شئون الحكم في البلاد وما آلت إليه الأوضاع من اضطراب سياسي في مصر، لابد من مراجعة الفكر فيما يتعلق بقول البنا فيما يخص قوة الساعد والسلاح وهو أمر مرفوض شكلا وموضوعا ، ولابد من الاعتراف بما يسمي الدولة الوطنية الحديثة وأنه لا يوجد شيء يسمي جنسية المسلم عقيدته لأنه حديث يتصادم مع الفكر السياسي والاجتماعي الحديث، وأخيرا الاقرار بشكل عملي بالديمقراطية كنظام حكم. ويشير حبيب إلي أمر آخر بقوله «وكذلك نفي أي صلة لجماعة الإخوان بداعش أو تنظيم القاعدة». ويبقي أن الشروط التي وضعها حبيب، والأمور التي أوضحها تقرير البرلمان البريطاني تقول بوضوح إن هؤلاء أمامهم عقود طويلة قبل أن يتحرروا من «الأوهام»، وإغواء الإرهاب، كما أن شروط حبيب في حد ذاتها وملاحظات البرلمان تؤكد اتهامات خصوم الجماعة، بل تدين بوضوح حجم التورط والتماهي مع الأجندات الخارجية، ومع الدول التي في حالة «خصومة» وعداء سافر . وبدلا من الالتزام السلمي، فإنها اختارت الاستقواء بالخارج، وأن تسلك سبيل «العنف» و«تقسيم الأدوار».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف