احمد المنزلاوى
أبو حيــــــــة وأبو لمعـــــــــــة
سبق خياله العلماء ونافس كبار الشعراء والأدباء. عده البعض من النبلاء والجبناء ووضعه البعض الآخر مع الظرفاء والأذكياء.
ولا مفر أن نمر علي أهل الفخر ومعني "الفشر" وما ورد بشأنهما في عالم الشعر ويفرق البعض بين الكذب والفشر والبعض يجعلهما في وعاء واحد.
وكلمة "الفشر" ليست عربية أصيلة. لكن بعض القواميس اعتمدتها واعترفت بها.
وفشر الرجل: كذب وادعي وبالغ فيما يقول وأضاف من خياله إلي ما جري في الواقع.
تستخدم الكلمة في مصر والشام وبعض الدول العربية للدلالة علي أشياء يصعب تحقيقها أو الكذب للتسلية والفكاهة والفاشر دواء يعالج لسع الحيات والهوام والأرجح ان أصله يوناني.
والفشار بضم الفاء: الهذيان.
وبالكسر: حبات الذرة بعد وضعها علي النار.
وفشر يفشر فشرا. فهو فاشر وفشار بمعني كذب أو خالف الحقيقة.
* وأبو حية النميري شاعر عربي. عاصر العصرين الأموي والعباسي. مدح الخلفاء وتوفي في عهد النصر سنة 183هـ.
هو الهيثم بن الربيع النميري "والهيثم هو فرخ النسر".
نبغ في الشعر وأيضاً في "الفشر".
ويعد استاذ "الفشارين" في التاريخ العربي.
قال انه أطلق سهماً علي ظبي. فهرب منه الظبي ناحية اليمين فاستدار إليه السهم وجري ناحية الشمال فمضي خلفه وقفز إلي أعلي فتحرك ناحيته وهبط إلي الأرض فأصابه في آخر المطاف.
- وقال انه أطلق سهماً آخر تجاه ظبية فتذكر فتاة يحبها فمضي خلف السهم ولحق به واستعاده قبل أن يصيبها.
وذات مرة دخل كلب بيته فظن انه لص. فأحضر سيفه الذي يسميه لعاب المنية "الموت" رغم انه أقرب إلي الخشب وألقي خطبة عصماء يهدد فيها اللص بالويل والثبور وعظائم الأمور "العذاب والهلاك" إن لم يخرج من بيته.
وعندما رآه قال الحمد لله الذي سخطك كلباً جزاء دخولك إلي هذا المكان.
كان أبو حية فصيح اللسان. واسع الخيال.
ولو روي قصة السهم الأول أوائل القرن العشرين لعده الناس من رواد أدب الخيال العلمي بعد أن ظهرت الصواريخ التي تتبع أهدافها وظهرت أواخر القرن.
سبق أبو حية الكاتب الاسباني ميجل ثيربانتس "1547 - 1616" صاحب قصة دون كيشوت الذي يحارب بسيفه القديم طواحين الهواء وقطعان الأغنام.
كما سبق الشعراء النبلاء الاسكتلنديين بقصائده في المرأة.
وفي النصف الثاني من القرن العشرين ظهر أبو لمعة الأصلي أو المصري مع الخواجة بيجو في حفلات أضواء المدينة والمسرحيات والأفلام والمسلسلات وأثار دهشة المستمعين والمشاهدين بخياله الخصب وفشره الذي أضحك الملايين.
وأبو لمعة هو محمد أحمد المصري "1924 - 2003" وكيل وزارة التربية والتعليم. مدير السعيدية الثانوية. ومدرس التربية الفنية. حصل علي بكالوريوس الفنون التطبيقية ودبلوم التربية 1969 وظهر في برنامج "ساعة لقلبك" الذي تخرج فيه نجوم الفكاهة وكتابها من 1953 في أوائل الستينيات.
عمل في السودان وطلب من تلاميذه رسم الأسد فرسم له أحدهم حيواناً يشبه الخروف.
ولما نبه التلميذ إلي ذلك قال: انه رسم أسد ولما رأي الأستاذ تحول إلي خروف.
والخواجة بيجو هو فؤاد راتب "1930 - 1998" أحد نجوم الفكاهة علي امتداد الساحة العربية.
طلب من أبي لمعة أن يفشر فشرة وقال: ان جده خرج صباحاً إلي العمل ووجد العمال يدقون أساسات عمارة جديدة وعند عودته رأي العمال قد انتهوا من بنائها.
ورد عليه أبو لمعة قائلاً ان جده خرج صباحا ورأي نفس المشهد وعند عودته وجد صاحب العمارة يلقي بأثاث السكان من النوافذ لتأخرهم ستة شهور عن سداد الإيجار.
وفي سنة 1975 أصدرت وزارة الثقافة السورية كتاباً بعنوان "شعر أبي حية النويري" للدكتور يحيي الجبوري.
كما تحول سهم الشاعر "الفشَّار" إلي مثل للدلالة علي عدم الجدوي وغياب النتائج وهذا اللون من المبالغة مكرر في الحضارات المختلفة فقد ظهر رجل من الفرس يتحدث عن طول وعرض ومقاييس جسم كسري بصورة تفوق أحجام العماليق.
وحب الفخر مرض يصيب البعض لا يتخلي عنه في أحلك اللحظات.
وهو باب من أبواب الشعر العربي سواء الفخر بالقبيلة أو بالنفس.
يقول عمرو بن كلثوم في معلقته:
إذا بلغ الرضيع لنا فطاماً
تخر له الجبابرة ساجدينا
ويقول أبو الطيب المتنبي
أنا الذي نظر الأعمي إلي أدبي
وأسمعت كلماتي من به صمم
والإنسان العاقل هو الذي اختار طريق الأدب والتواضع وحسن الخلق.
يقول الإمام علي بن أبي طالب:
إن الفتي من قال ها أنا ذا
ليس الفتي من قال كان أبي