طالبني عدد كبير من الأصدقاء وزملاء المهنة بالاستمرار في حملة "إعلام العار" بعد تحول الإعلام الرياضي إلي ما وصلنا إليه هذه الأيام من مستوي متدن يعتمد في المقام الأول علي المصلحة فأصبح كل إعلامي يسير طبقاً لمصلحته الشخصية.. فإذا كان في الصالح مساندة جهة معينة أو شخص معين فإن كل رسالته الإعلامية ستكون حتماً في الاتجاه الذي تصب فيها مصلحته الشخصية للأسف وليس ما يحتاجه الموقف أو ما يتطلبه الموقف من رأي إعلامي محايد يبتعد بنا تماماً عن المصلحة.
والحقيقة أن أعداداً أكبر من الزملاء طالبوني بالتوقف عن تلك الحملة لأنها تكشف عورات المهنة التي يمتهنها كاتب هذه السطور ولكن مكالمة من صديق عزيز أحترم وأعتز برأيه جداً كانت وراء استمراري في الحملة.. لأنه قال لي بالحرف الواحد "كلماتك ونقدك لحالة الإعلام هي الأمل الآن في عودة الإعلام الحقيقي البعيد عن المصالح والتجريح".. فقررت الاستمرار.. ناقشت في الحلقة الماضية تغطية الأندية والاتحادات الرياضية وكيف تحولت بعيداً عن المهنية إلي تغطية بالأجر يتقاضي من خلالها الإعلامي أجراً لأن النادي يطالبه بالعمل في لجنة إعلامية صورية الغرض منها "إطعام الفم حتي تستحي العين كما يقولون" لأن من يتقاضي أجراً من النادي لن يتجرأ يوماً أن يقول رأياً ضد سياسة النادي أو ينتقد وضعاً رياضياً داخله.. واستمر اليوم في نفس القضية التي ساعد عليها الزملاء الإعلاميون أيضاً ممن لا تنطبق عليهم شروط تولي تغطية النادي أو الهيئة عن طريق اللجان لأنهم لا يدينون بالولاء لرئيس النادي أو رئيس الاتحاد وبالتالي فهم لن يكونوا أعضاء في اللجان الإعلامية التي تتقاضي أجراً.. لم يتوقف الفكر الشيطاني للمسئولين عن التفكير في حل يضم هؤلاء الإعلاميين إلي المنظومة دون أن يتمكنوا من انتقاد النادي أو الاتحاد بأي سلبيات.
الفكر الشيطاني اعتمد في المقام الأول علي الظروف الاجتماعية للإعلامي الصغير هذه الأيام والذي يكون مستعداً لبدء حياته الإعلامية لأنه يبدأ مثقلاً بظروف اقتصادية صعبة يمر بها كل شاب هذه الأيام وبخاصة لو كان من نوعية الشباب العصاميين الذين يريدون بناء أنفسهم بأنفسهم دون الاعتماد علي أسرهم.
الشاب لا يستطيع الآن التحرك بالمواصلات إلي النادي ثم إلي صحيفته أو منبره الإعلامي مثلما كان الأمر في الماضي. لذلك فإن المسئولين فكروا.. فكراً شيطانياً بإعداد ما يسمي بالنشرة الإعلامية اليومية عن طريق أعضاء اللجنة مدفوعة الأجر.. بعد إعداد تلك النشرة المكتوبة بكل احترافية لتغطية الإيجابيات فقط دون ذكر لأي سلبية فإنها تنتشر كمصدر إعلامي موحد للجميع.
فالنادي يرسل نشرة صحفية كاملة عن فريق الكرة وكل ما يحيط به وباقي الفرق الجماعية والفردية بطريقة بعيدة تماماً عن المهنية لأنها تذكر أخباراً إيجابية فقط دون أي انتقادات أو غزو فيما حول الخبر.. هذه النشرة كانت ترسل في الماضي قبل عصر التكنولوجيا بالفاكس ويتلقاها الصحفي ليعيد كتابتها ولكن مع عصر التكنولوجيا أصبحت تلك النشرة ترسل بالإيميل مباشرة إلي الصحفي مكتوبة أو علي أي صندوق بريد خاص علي أي موقع للتواصل الاجتماعي.
النشرة مكتوبة وجاهزة وما علي الصحفي إلا وضع اسمه عليها دون أي لمسة تشد القارئ وهكذا تنشر في كل مكان بنفس الصياغة.. انهارت الصحافة بهذه النشرات الخالية تماماً من مهنية الصحافة ومن عناصر التشويق وضمنت الأندية والهيئات استغلال ظروف صغار الإعلاميين وإبعادهم عن التفكير في النقد الحقيقي.. أما الفكر الأكثر شيطانية فكان من اتحاد الكرة الذي تحول إلي قافلة من الإعلاميين يتحركون بشكل ممنهج في كل القنوات الإذاعية والتليفزيونية وتلك قضية أخري أتناولها لاحقاً.