تغيير طفرى فرض نفسه على المعادلات الإقليمية والدولية، وهو ما يصب فى صالح سوريا شعباً ورئيساً وجيشاً. وكأنى بسوريا اليوم هى التى تجرى صياغة لمعادلات العالم الجديد بعيداً عن أوهام وأحلام أردوغان الإمبراطورية التى يسوقها بشعارات كاذبة عنوانها الديمقراطية، وتخوضها جيوش افتراضية اسمها المعارضة وتمولها للأسف دول الخليج. ملامح التغيير تمثلت فى الموقف الروسى إزاء أردوغان عندما قال مؤخراً: (بأن الجيش التركى بدأ عملية درع الفرات داخل الأراضى السورية من أجل إنهاء حكم الرئيس بشار). فلقد غضب الكرملين واستهجن تصريحات هذا النزق لكونها تتعارض مع الاتفاقات السابقة بين روسيا وتركيا. فما كان من أردوغان إلا أن سارع وأجرى اتصالاً هاتفياً مع الرئيس «بوتين» طالباً الصفح والغفران. وأعقب هذا إصدار توضيح من الرئاسة التركية يؤكد أن ما ورد من تصريحات لم يأت على لسان أردوغان وإنما كان لأحد المحسوبين عليه. وأعرب البيان عن الأمل فى تجاوز سوء الفهم هذا مع روسيا. وإلحاقاً بذلك أجرى لافروف، وزير خارجية روسيا مباحثات فى تركيا الخميس الماضى من أجل توضيح النوايا والمواقف بشأن الرئيس «بشار». نسى أردوغان أن الشعب السورى هو صاحب القرار الأول والأخير فى اختيار من يحكمه، وأن بقاء الأسد فى الحكم يعد تطبيقاً للدستور السورى.
تصريحات أردوغان العدوانية جاءت فى أعقاب الحسم المفاجئ والمتسارع للجيش السورى فى شرقى حلب فى تطور عسكرى نوعى وانتصار خسرت تركيا الكثير من جرائه، فحلب العاصمة الثانية لسوريا يعتبرها أردوغان بوابة الدور الإقليمى لتركيا. ومن ثم فهى التى شكلت الأساس فى الحرب التى تشنها تركيا على سوريا. ولهذا فإن تصريحات أردوغان حول ضرورة إنهاء حكم الرئيس بشار تكشف الستار عن أن عدوان تركيا على الأراضى السورية مبعثه أطماعها وأوهامها التى تغذى فكر هذا الطاغية الإخوانى المتطرف الذى جعل من تركيا قاعدة للمجموعات الإرهابية لتعمل على ضرب الاستقرار والإطاحة بالأمن فى كل من سوريا والعراق، فتركيا أردوغان هى اللاعب الرئيسى فيما يحدث فى سوريا بعد أن باتت أراضيها مركزاً لاستقطاب العناصر الإرهابية ودعمها لهم بالتدريب والتسليح وتسهيل دخولهم إلى سوريا.
إنه أردوغان الشخصية المريضة التى تسيرها الأطماع وجنون العظمة والحماقات، فهو الإنسان المتخبط الذى يفتقر إلى الحكمة ويغيب عن عمد مصالح الشعب التركى. ولقد تطلع لأن تكون له حصة فى وليمة النفوذ العالمى بما يساعده على تحقيق مطامعه السلطانية فى الأراضى السورية والعراقية. أراد قضم مدينة حلب ولهذا عانق الإرهابيين بل والقتال عنهم، واعتبر الأراضى السورية مناطق نفوذ تركى يمتد من «جرابلس» إلى البحر المتوسط. إنه السلطان العثمانى الواهم المريض الذى يعتبر بأن قسماً كبيراً من الأراضى السورية بما فيها حلب أملاك عثمانية. لهذا اجترأ ودخل الأراضى السورية، ودفع بالإرهابيين وبجنوده إليها كغزاة بذريعة محاربة داعش وتأمين حماية حدود تركيا مع سوريا ومنع إقامة دويلة كردية. لعبة قذرة خاضها الجيش التركى بمشاركة داعش وتنظيمات إرهابية أخرى اعتقاداً منه بأن العناية الإلهية منحته صكوك استباحة الأراضى السورية. آن الأوان لأن يتخلى أردوغان عن عبقرية الإثم والعدوان ويسقط من حساباته مغامراته العبثية التى سترتد عليه وبالاً فى القريب العاجل إذا لم يرتدع ويوقف شطحاته.