المصريون
جمال سلطان
فوضى القرارات وعشوائيتها في وطن يعاني
تحدث أكثر من طرف مساء أمس واليوم عن قرار وشيك لرئيس مجلس الوزراء المهندس شريف إسماعيل بالتراجع عن إلغاء الجمارك عن الدجاج المستورد ، وقال رئيس شعبة الدواجن في الغرفة التجارية أن رئيس الوزراء شكل لجنة لإعداد تقرير واف عن أبعاد المسألة لاتخاذ القرار ، كما أكد المتحدث باسم مجلس الوزراء السفير أشرف سلطان بأن رئيس الوزراء سيقرر إلغاء القرار خلال اليومين القادمين ، كما تحدثت أصوات إعلامية محسوبة على أجهزة سيادية بوضوح قاطع أن رئيس الوزراء سيلغي قراره المثير للجدل . ولمن لم يتابع ما كتبناه أمس ، فالقرار متصل بإلغاء مؤقت ومفاجئ للجمارك على الدجاج المستورد لمدة ستة أشهر ، وهو قرار يذبح صناعة الدجاج في مصر التي يعيش منها أكثر من أربعة ملايين مواطن ويستثمر فيها قرابة ستين مليار جنيه ، كما أن القرار منح مستثمرا واحدا أرباحا صافية تقدر بمليار جنيه قبل بيع أي دجاجة حيث كانت شحنته تنتظر بالفعل في الميناء ، وهي أموال كانت تحصلها الدولة للإنفاق على "الغلابة" ، والحقيقة أن هذا القرار أثار استياء واسعا بين الناس ، وقد لاحظت أن مؤيدين للرئيس عبد الفتاح السيسي أيضا مندهشون من القرار ومستاءون منه ، فهناك إجماع على أن القرار كارثة ، ويبقى تراجع رئيس الوزراء عنه خطوة مهمة وإيجابية ، لكن يفترض أن يشمل التراجع اعتذارا للوطن كله والإجابة عن تساؤلات عديدة . لقد قرر رئيس الوزراء ـ بعد الضجة ـ تشكيل لجنة لإعداد تقرير حول الموضوع لاتخاذ القرار الصحيح ، وهذا مما يسمى بالتراجع المشرف ، لكن مشكلته أنه يعطي الانطباع بأن رئيس الوزراء يتخذ القرارات الخطيرة في جلسات سمر ، بدون دراسة وبدون لجان وبدون معلومات كافية من الجهات الرسمية المختصة ، ومجلس الوزراء نفسه يتبعه عدد من اللجان والمراكز الخاصة بجمع المعلومات وإعداد التقارير للأمور الاقتصادية بشكل خاص ، ولغيرها بشكل عام ، فلماذا تجاهلها ، من الذي طلب منه إصدار القرار بشكل عشوائي وبدون معلومات وعلى وجه السرعة ، كما أن رئاسة الجمهورية لها مراكز متخصصة لهذه الأمور والدولة فيها عشرات الآلاف من العاملين في المجالس المتخصصة خبراء ومستشارين يتقاضون ملايين الجنيهات شهريا وظيفتهم هي إعداد الدراسات والمعلومات ، فلماذا تجاهلهم رئيس الوزراء وسارع بإصدار قرار يترتب عليه عشرات المليارات من الجنيهات الضائعة من المال العام ، ومحاباة جهات بعينها أو أشخاص بعينهم بثروات طائلة بدون أي جهد ، في الوقت الضاغط الذي يناشد فيه رئيس الدولة فقراء الوطن أن يتبرعوا ولو بجنيه . السؤال الآخر ، هو مصير الشحنات التي دخلت بالفعل ، وتم إعفاؤها من الجمارك ، وتحصل أصحابها على مليار جنيه من المال العام ، هل سيتم استرداد هذه الأموال أم لا ، ومن يتحمل المسؤولية عنها ، هذا أمر لا بد أن يعلن للرأي العام بشفافية كاملة ، لأنه ليس معقولا أن تصدر قرارا لمدة أربعة أيام تدخل فيه شحنة ثم تلغي القرار ، هذا ليس تفصيل قرارات ، هذا نهب فاجر للمال العام ، لا بد من التأكيد على أن أحدا أو جهة لم يتم إعفاؤها من الجمارك بموجب هذا القرار . السؤال الثالث ، ويتعلق بالأشخاص أو الجهات التي استفادت من هذا القرار ، خاصة وأن الكلام يتبعثر الآن بما يسيء للدولة نفسها ومؤسساتها المهمة ، وهذا لا يجوز السكوت عليه ، وهناك كلام ينسب الصفقة لرئيس الغرف التجارية ، وطالما أننا بإزاء نشاط اقتصادي علني وقانوني أثار مشكلة فمن الطبيعي والمفيد أن تعلن الحقائق كاملة للرأي العام من خلال متحدث رسمي . السؤال الرابع ، إذا كانت مبررات القرار الخاطئ قالت في البداية أن الغرض منه هو وقف غلاء أسعار الدواجن والشفقة على المواطن الذي يعاني ، فعلى مجلس الوزراء أن يوضح "البديل" الذي يتخذه من قرارات لتحقيق هذا الهدف ، وإذا كان من المقرر أن تضحي الدولة بعشرات المليارات من الجنيهات على مدار ستة أشهر هي عمر القرار بدعوى الحفاظ على الأسعار غير مرتفعة ، فهل يمكنها أن تضحي بجزء من تلك المليارات لدعم صناعة الدجاج داخل الوطن ، بتعديل ـ وليس إلغاء ـ الجمارك على مستلزمات التشغيل والأدوية والعلف ودعم زراعة الذرة الصفراء ، على الأقل لكي تبرهن على أن قرارها كان بالفعل حماية للمواطن وحفاظا على ثبات الأسعار . بدون أدنى شك ، فإن هذا القرار أحدث حالة من البلبلة واهتزاز الثقة في القرارات الاقتصادية وشفافيتها ومدى استنادها إلى حقائق ومعلومات وليس خبط عشواء أو تجارب أو مجاملات ، وستحتاج الحكومة إلى جهد كبير لكي تمحو هذا الانطباع .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف