عبد القادر شهيب
شيء من الأمل .. علاج اقتصادي .. ناقص
ليس بمواظبة المريض وحدها علي تناول الدواء يشفي من المرض!.. نصف العلاج الناجع لأي مرض هو معرفة المريض مسبقا بما يحتاجه من وقت لتناول هذا العلاج، و الاثار الجانبية المحتملة له وتداعياته المتوقعة حتي يتهيأ نفسيا لذلك.. لكن بعض الاطباء لا يهتمون باشراك المريض في المعرفة، ولا يرون أن ذلك ضروريا، لذلك لا يحقق العلاج المرجو منه في الوقت المناسب أو المحدد وتزيد معاناة المريض وتطول فترة المرض ويتأخر الشفاء.
وهذا للأسف ما نعاني منه مع السادة الأطباء الذين يتصدون الآن لعلاج أمراضنا الاقتصادية.. أنهم لديهم وصفاتهم الجاهزة من العقاقير والادوية لعلاج هذه الامراض، وفرضوها بالفعل علينا دون أن يشرحوا لنا أولا لماذا هي ضرورية؟.. وثانيا كم من الوقت نحتاج لتناول هذه الادوية والعقاقير المرة حتي يشفي اقتصادنا من أمراضه وينجو من أزماته؟.. وثالثا هل هذا العلاج كاف أم أنه سيضاف إليه أدوية وعقاقير أخري أكثر مرارة؟ بل أن هؤلاء السادة الاطباء قاموا بجراحة كبيرة لاقتصادنا بقرار تعويم الجنيه والذي خفض سعره حتي الآن بنسبة ١٢٥٪ ، ومع ذلك اكتفوا بمؤتمر صحفي واحد لمحافظ البنك المركزي شرح فيه مزايا وضرورة هذه الجراحة النقدية للاقتصاد القومي في وقت اضطرب فيه سعر الصرف للجنيه المصري وتعدد هذا السعر، وهو الأمر الذي أصاب بالاضطراب حركة التجارة، والسوق المصري، مثلما شرح باقتضاب مزايا رفع أسعار الفائدة علي الودائع بالجنيه المصري ولم يتطرق محافظ البنك المركزي ولا أي مسئول آخر عن اقتصادنا إلي شرح التوقعات الخاصة بحالة السوق النقدية بعد قرار تعويم الجنيه، وافهام عامة الناس قبل الخبراء أن هذه الحالة لن تستقر قبل مرور بعض الوقت لن يقل عن نحو ستة أشهر وقد يمتد إلي العام وربما أكثر، سوف يتعرض فيها سعر الجنيه للارتفاع أحيانا و الانخفاض أحيانا أخري ، مثلما حدث في كل حالات الدول التي سبقتنا في تعويم عملتها ونجح هذا التعويم واستمر كما حدث في روسيا.. بل لم يتطرق هؤلاء الخبراء إلي أن ثمة احتمال لفشل هذا التعويم للعملة الوطنية واضطرار بعض الدول التي قامت بالتعويم لعملتها للتراجع عنها مثلما فعلت نيجيريا، التي لم تقدر علي تحمل الآثار الجانبية لهذا التعويم، والمتمثلة في ارتفاع مفاجئ وكبير في الاسعار خاصة للسلع الاساسية.
وهذا تحديدا لم يتحدث عنه لا محافظ البنك المركزي ولا أي مسئول حكومي من المسئولين الذين يشاركون في ادارة اقتصادنا الوطن.. لم يصارحوا الناس بأن ما يقومون به من علاج لاقتصادنا ستكون له آثار جانبية أهمها ارتفاع التضخم والاسعار، رغم كل ما يفعله البنك المركزي من السيطرة علي معدل التضخم برفع أسعار الفائدة علي الودائع وخفض السيولة المالية لتخفيض الطلب علي السلع والخدمات، ورغم كل الاجتهادات الحكومية لتوفير كميات من السلع الاساسية بأسعار مناسبة أو بالاصح غير فعال فيها ، في ظل الفوضي التي تتسم بها أسواقنا ، حيث تسيطر عليها احتكارات تفرض هوامش ربح ضخمة يدفعها المستهلكون صاغرين لعدم توفر حماية حكومية مناسبة لهم.
فان كل العقاقير التي يداوي بها اطباؤنا الاقتصاديون أمراض اقتصادنا تفضي في نهاية المطاف إلي ارتفاع كبير في الاسعار، بدءا بجراحة تعويم الجنيه خاصة في المرحلة الاولي له قبل استقراره، ومرورا بقانون ضربية القيمة المضافة، وحتي تخفيض الدعم علي الطاقة »كهرباء - غاز - بنزين - سولار - مازوت» والاستقرار المنزلي من المياه.
وبالطبع سنظل نعاني من هذه الاثار الجانبية لهذه العقاقير والادوية الاقتصادية لفترة من الوقت حتي ينصلح حال اقتصادنا ويقل العجز في موازنتنا ويصبح اقتصادنا قادرا علي جذب موارد جديدة واستثمارات كبيرة من الداخل والخارج ترفع معدل النمو الاقتصادي، وتوفر دخلا مناسبا وليس محدودا لنا نتقاسمه بعدالة ، وبالتالي تعود مستويات معيشتنا للارتفاع وليس للانخفاض كما هو حادث الآن.
ولكن ما من أحد في كتيبة أطباء اقتصادنا شرح لنا ما سوف نعانيه من أثار جانبيه لعقاقيرهم وأدويتهم .. وكم من الوقت سوف نضطر أن نتحمل معاناة هذه الاثار الجانبية حتي نحظي بالشفاء.. والأهم كيف سيخفضون علينا آلام هذه الآثار الجانبية.
لقد اكتفي هؤلاء الأطباء بفرض الدواء المر علينا، بل اخضعونا لجراحة التعويم ا لكبري لعملتنا دون أن يقولوا لنا متي سنغادر المستشفي؟
ومتي سنفك سلك الجراحة؟.. ومتي سيطيب الجرح؟.. ومتي سنعاود الحركة والحياه الطبيعية بعد هذه الجراحة الكبيرة؟.. بل وما هي شروط نجاح هذه الجراحة التي تعرض لها اقتصادنا وتحملنا جميعا، وان كان تحمل أصحاب الدخول المحدوده والمتوسطة أكبر وأشد وطأة.
لقد مر شهر أو أكثر علي هذه الجراحة الكبيرة ولا نسمع احدا سواء من البنك المركزي أو الجهاز المصرفي أو الحكومة يطمئننا أو بالاصح يهيئنا نفسيا إلي أننا مضطرون لتحمل أعراض التضخم وارتفاع الأسعار لفترة ليست قصيرة من الوقت، وأن سعر الصرف للجنيه المصري لن يستقر قريبا وانه يحتاج هو الآخر لفترة ليست قصيرة حتي يستقر أو ليصل كما يقول هؤلاء الاطباء لسعره الحقيقي والذي اختلفوا في تحديده وان كان يتراوح ما بين عشرة واثني عشرة جنيها للدولار الواحد.
ولعل هذا هو أسوأ شئ في العلاج الذي يقوم به هؤلاء الاطباء لاقتصادنا حتي يتخلص من أمراضه المزمنة.. انهم يتصرفون وكأنهم يتعاملون مع جماد لا بشر.. انهم لا يعالجون خطأ في بنيان أو صرح ، وأنما يتخذون قرارات تمسي حياة ملايين البشر وتؤثر فيهم، بل وتصيبهم بالألم.. ولذلك لا يصح ان يتجاهلوا الآلام ومعاناة هؤلاء البشر، والا اخفقت لا قدر الله قراراتهم واجراءاتهم .. أيها الاطباء الذين تعالجون اقتصادنا لا تتعالوا علي المرض!