المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. تسمموا.. بالإيحاء!!
الأسوأ من كارثة التسمم الجماعي لـ 379 مواطنا بمحافظة الشرقية هو ألا نعرف سبب هذا التسمم ونظل نضرب أخماسا في أسداس.. لأن ذلك معناه أن من الممكن أن يتكرر التسمم مرة أو مرات أخري في الشرقية وفي غيرها من المحافظات.. مادمنا غير قادرين علي تحديد سبب الإصابة بكل ما لدينا من أجهزة ومراكز علمية ومعامل وخبراء.
بالتأكيد.. لن يكون غرق صندل الفوسفات في نيل قنا هو السبب.. فلو كان ذلك صحيحا لأصيب سكان القاهرة وضواحيها أولاً بالتسمم قبل أن يصاب سكان الشرقية ـ فهم الأقرب ـ والتسمم لا ينتقي ولا يختار ولا يميز بين الناس.
ثم إن مياه الشرب ليست السبب كما ظن البعض.. فقد نقلت الصحف عن رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بالشرقية أنه تم أخذ عينات من محطة الإبراهيمية ومن الشبكات وتحليلها في معامل الشركة.. واتضح أنها مطابقة للمواصفات.. وأن نسبة الكلور والعكارة بها جيدة وحول معدلاتها الطبيعية.. ومن ثم فإن مياه الشرب صالحة للاستهلاك وليست خطرا علي أحد.. ولا علاقة لها بالتسمم الجماعي.
إذن من أين جاءت الكارثة.. من السبب؟!
مصدر مسئول بشركة مياه الشرب كشف أن هناك من المواطنين من يلجأ لشراء المياه المعبأة في جراكن من بعض وحدات فلترة مجهولة المصدر.. وأن محطة المياه ليست المصدر الوحيد للشرب.
علينا أن نتوقف أمام هذه الحقيقة.. فالجراكن العشوائية هي السبب.. والناس هم المسئولون عن حدوث كارثة التسمم الجماعي لأنهم يشترون المياه والجراكن من مصادر مجهولة.
ولكن.. كيف تسكت الأجهزة الحكومية عن هذه الجريمة؟!.. كيف تعرف أن المواطنين يشترون الجراكن المسمومة وتتركهم يواجهون الموت؟!.. أليست الحكومة بأذرعها الكثيرة مسئولة عن حماية الناس حتي من أنفسهم ومن جهلهم.. كيف تتركهم ينتحرون بالجراكن المسمومة؟!.. لماذا لم تتدخل لمنعهم من الانتحار.. وتوعيتهم بأن الحياة حلوة؟!
هنا يتدخل طارق الحاروني سكرتير المحافظ بالشرقية ليرد علي هذه الأسئلة.. ويجهضها تماما.. حيث يقول إن فرق عمل من الطب الوقائي أخذت عينات من أمعاء المصابين ومن مياه الشرب في منازلهم ومصادرها وكذلك الأغذية وتم إرسالها إلي المعامل المركزية والفرعية لتحليلها وتحديد مصادر التسمم.. مرجحا أن معظم الحالات المصابة كانت بسبب الإيحاء.. نتيجة سريان خبر التسمم بسرعة وقيام مجهولين بالإعلان عبر مكبرات الصوت أن المياه ملوثة..
الآن.. حصحص الحق.. واتضح أن الإصابة بالتسمم انتشرت بين الشراقوة بالإيحاء.. نعم بالإيحاء!!
الفوسفات بريء.. ومحطات مياه الشرب بريئة.. والحكومة أيضا بريئة ولا مجال لتوريطها في أي مسئولية بخصوص التفتيش علي وحدات الفلترة "المجهولة" والجراكن.. العيب كله في الناس الذي ضعفت مناعتها جدا.. فأصبحت تصاب بالإيحاء.. وتتسمم بالإيحاء.
والحمد لله أن توقفت القضية عند هذا الحد.. خاصة بعد أن نشرت الصحف أن بعض مشايخ وأئمة المساجد مساجد القري أطلقوا نداءات للأهالي عبر مكبرات الصوت بالمساجد تحذرهم من شرب المياه أو استخدامها في أعمال الطهو وإعداد الطعام.. ومن الممكن جدا أن يخرج لنا ألف إسلام بحيري ليتهم هؤلاء الأئمة بالتخلف والتحريض ويطالب بتجديد الخطاب الديني وحرق البخاري.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف