حيرتنا القرارات الجمركية الأخيرة خلال الأيام الماضية.. جعلتنا نضرب أخماساً في أسداس.. وعندما لجأنا إلي الأبواب المتخصصة في الاقتصاد بالصحف لكي نفهم. زادت حيرتنا أكثر وأكثر.
كانت البداية بقرار مفاجئ لإعفاء صفقات الدواجن المستوردة من الرسوم الجمركية.. وهو قرار له تأثير سلبي بلا شك في اتجاهين: الأول يتعلق بإلحاق الضرر المباشر بصناعة الدواجن. ويهدد المنتجين الوطنيين.. والثاني يتعلق بحرمان خزينة الدولة من حصيلة الرسوم المعتادة.. والخزينة في أمس الحاجة إلي أي أموال تأتيها من الجمارك.
لكن الذين تولوا تحليل القرار قالوا: إنه اتخذ لمصلحة المواطن المستهلك.. فقد كان الهدف كسر احتكار منتجي الدواجن والتجار الذين يرفعون الأسعار دون مبرر.. وبالتالي كان من المنتظر أن تنخفض الأسعار بعد تزايد المعروض.. والغريب أن الأسعار لم تنخفض وظلت علي حالها.
وعندما ترددت شائعات بأن هناك اسماً واحداً من كبار رجال الأعمال المستوردين حقق أرباحاً طائلة من وراء قرار الإعفاء من الجمارك بأثر رجعي ذكرت مصادر في الاتحاد العام لمنتجي الدواجن أن الحكومة في طريقها للتراجع عن قرار الإعفاء حماية للصناعة الوطنية.
ثم فوجئنا بقرار زيادة الجمارك بنسب متفاوتة علي 364 سلعة من السلع الاستفزازية.. وقيل إن هذا القرار يستهدف تحقيق 3 تأثيرات مهمة.. الأول: زيادة إيرادات الحكومة من الرسوم الجمركية.. والثاني: الحد من الاستيراد حماية للصناعة الوطنية.. والثالث: تخفيف الضغط علي الدولار من خلال تقليص الطلب عليه من جانب المستوردين.
وهنا لم يتعرض أحد لمصلحة المواطن المستهلك الذي فوجئ بأن قائمة السلع التي طُبقَت عليها الزيادات الجمركية بنسبة تتراوح من 50 إلي 500% تضم سلعاً ليست استفزازية فقط مثل: الفودكا والأفوكادو والفاكهة المستوردة. وإنما تضم أيضاً سلعاً أساسية ومهمة لشريحة واسعة من المواطنين.. ومن ثم فقد اتضح أن هذا القرار ليس هدفه تخفيف الأعباء عن الناس.. المرهقين أساساً بسبب تعويم الجنيه. وزيادة أسعار المواد البترولية للمرة الثانية خلال 3 سنوات.. ولكن هدفه الأساسي البحث عن أي موارد لعلها تقلل من عجز الميزان التجاري.. وقد توقع وزير المالية بالفعل أن تصل حصيلة عوائد ذلك القرار نحو 6 مليارات جنيه في حالة ثبات حجم الاستيراد. كما كان في العام المالي 2015/.2016
علي الجانب الآخر يتوقع خبراء الاقتصاد أن تكون النتيجة المباشرة للقرار موجة إضافية من ارتفاع الأسعار في الأسواق.. خصوصاً أن هناك سلعاً شملتها قوائم السلع "الاستفزازية" مثل الأجهزة الكهربائية وأفران الطبخ وأجهزة الاستقبال ومستحضرات النظافة والغسيل والأقلام الجاف والرصاص.. وهذه السلع لها أسواق رائجة وزبائن كثيرون في مصر.. ولا يتصور أن يستغني عنها المستهلك.. وبالتالي فإن ارتفاع أسعارها سيدفع باتجاه رفع أسعار غيرها من السلع. و لم تكن مستوردة.
في كل الأحوال فإن الإعفاء من رسوم الجمارك أو زيادتها بهذا الشكل المفاجئ مجرد خطوة ناقصة.. إذ كان يجب أن يرافقها قرار صريح بمنع استيراد الكثير من السلع غير الضرورية.. حتي يشعر الناس أن هناك سياسة عامة جديدة تستهدف فعلاً خفض الاستيراد وليس زيادة حصيلة الرسوم.. كما كان يجب أن يرافقها وجود آلية واضحة لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار.
بالمناسبة.. ما مصير القرار الذي اتخذه اتحاد الغرف التجارية يوم 9 نوفمبر الماضي بوقف استيراد السلع غير الضرورية لمدة 3 شهور.. وقصر الاستيراد علي الخامات ومستلزمات الإنتاج؟!.. هل هناك من يتذكر هذا القرار الذي كان خطوة حقيقية في الاتجاه الصحيح؟!!