الوطن
إبراهيم جاد
حوار مع منتحر
صدمنى بقوله حين صارحنى بأنه يريد أن «ينتحر». مجنون أنت؟. أنت ما زلت فى العشرين من عمرك، وأمامك العمر كله، لإنجاز كل ما تريد، ثم دققت فى ملامحه. أنت أكيد بتهزر، أليس كذلك؟. أنا هانتحر بجد. قالها بأسى قاطع وكأنه قد حسم أمره، وأن أى شىء يمكن أن أقوله لن يثنيه عن قراره، أحاول جاهداً استيعاب ما يقوله، لقد لجأ إلى الشخص الذى لا يستطيع أن ينصح أو يعطيه جرعة تفاؤل، بل ربما لو كان حديثه لم يكن صدامياً فجائياً، لكنت نظمت حفلة انتحار جماعى.

سأضطر أمام نظرات الشاب وقراره لأن أكون حكيماً بعض الشىء، وأن أنصحه، لماذا تريد الانتحار؟ ألا تعلم أن اللى بيموت منتحر يبقى «كافر»؟. ثم حين تصعد إلى السماء، ما الذى ستقوله لصاحب الملك؟. لقد جهزت عريضة كاملة أدافع بها عن نفسى، إذا تطلب الأمر ووقفت. سيدى. انظر إلى تلك الوجوه. هل ترى أحداً منهم سعيداً؟ لا أظن. لقد جعل الحزن والهم منهم شبه «بشريين»، يصحون على مواعيد محددة، ليناموا على مهدّئات وعقاقير، لقد اعتادت وجوههم على التكشيرة، حتى لو حاولوا الابتسام، فإن عضلات الوجه لن تتحمّل. لأنها لم تعتد أن تتحرك بحرية، الابتسامة أصلاً تحتاج إلى جهاز عصبى سليم. إننى لم أضحك منذ سنوات، إننى أتمنى أن أضحك، لكن تقاسيم وجهى أصبحت لرجل اقترب من المعاش ولا هم له إلا أن يزور بيت الله.

هون عليك يا عزيزى، كلنا نشتكى ونعانى، لكن يصعب أن نتخذ هذا القرار. لماذا؟ لأنك تخطف روحاً. أراد الله لها أن تحيا وأنت ببساطة تنتزعها، وهذه ليست وظيفتك. أنت يجب أن تحب. ربما يكون الحب سبباً فى أن تعيش ويدق قلبك وتعود لتضحك. يا سيدى أنا مرتبط بفتاة، وحين تقدمت لخطبتها، وضعوا حبلاً على عنقى، مصاريف، جهاز، عفش، ذهب. وأنا لست ابناً لواحد من المليونيرات الذين يظهرون على الشاشة. إننى أعمل 18 ساعة يومياً حتى أستطيع أن أوفر 1500 جنيه فى الشهر. ماذا أفعل بهذا المبلغ؟ لا شىء.

سأخبر الله عما رأيته على الأرض. سأقف بين يديه وأصرخ نعم. كنت أستحق أفضل من ذلك بكثير. إننا نعيش يوماً بيوم، ليس هناك أى قدر من المتعة، هناك فقط زحام فى الشارع وجنون فى العمل، نحن نأتى بأطفال إلى الدنيا لإثبات أنك قادر «ذكورياً» وليس لمتعة صافية، لقد أصبح الجو خانقاً، كل شىء يحيط بك يدعو إلى الانهزام، غلاء أسعار جنونى، لا ضابط ولا رقيب، طبقة كاملة تستغيث، وتحاول أن تحافظ على التوازن المجتمعى، لكن هناك من يتلذّذ بعذابات المقهورين، سياط تكوى أجسادنا، حتى لم يعد من «عضمنا» شىء وبات يشتكى هو الآخر.

أنت تملك ذاكرة سوداء. إذا فشلت فى الحب جرّب مرة أخرى. نحن نحيا ما دام هناك شهيق وزفير، يمكن أن تحول شهيق الهم، إلى آخر من السعادة، إذا كانت لديك إرادة، والإرادة فعل وجهد، إذا كنت مؤمناً به، ستهزم كل الأفكار داخلك، قاوم تلك الطاقة السلبية، وحولها إلى لحظات من المرح، اسخر من نفسك ومن المجتمع، اهزمهم بالضحك، كل الخلايا السوداء، اجعلها مضيئة، ستخلق لنفسك عالماً، لم تكن تشعر به على الإطلاق، ما زلت صغيراً حتى على التفكير بهذا الشكل، لن يقودك هذا إلا إلى الجنون. هل تعتقد أن كل الوجوه التى تفحصتها منذ قليل لم يفكر أحد فيها على الانتحار؟ ربما. لكن جزءاً بسيطاً يقاوم كل رغبة فى أن يرحل بإرادته. أنت يجب أن تقاوم. ولا تستسلم لكل الشرور داخلك. هذا عالم لم يعد كما كان.

اذهب يا صديقى، احلم قدر ما تشاء. دع روحك ترقص على موسيقى ساحرة. ولا تُحل لنفسك شيئاً حرمه الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف