الوطن
محمد صلاح البدرى
حاكموا «منى مينا»!!
1- فى مداخلة تليفونية مع أحد البرامج الأخبارية الشهيرة تصرح السيدة الفاضلة منى مينا، وكيل نقابة الأطباء، المناضلة التى أمضت أكثر من نصف عمرها فى العمل النقابى والخدمى، أن نقص المستهلكات الطبية أصبح كارثياً، لدرجة أن هناك تعليمات من إدارات بعض المستشفيات أن يتم استخدام السرنجة «للمريض الواحد» أكثر من مرة!

تظهر ملامح الفزع التمثيلى المطلوب لزيادة نسب المشاهدة وإثارة المتفرج على وجه مقدم البرنامج قبل أن يتأكد من المعلومة بصورة مغلوطة -ربما لأنه فهمها بهذا الشكل- فيستفسر منها إن كان الأمر قد صدر حقاً باستخدام السرنجة أكثر من مرة؟ تؤكد منى مينا المعلومة دون أن تنتبه إلى الفخ المنصوب ودون أن تشير إلى مصدرها، قبل أن تحاول توجيه دفة الحديث إلى المشكلة الحقيقية والأساسية وهى النقص الحاد فى المستلزمات الطبية والأدوية الحيوية، ولكن هيهات أن يسمع أحد، فالأمر قد انتهى واللقطة قد تم أخذها كما يقولون!! لقد وقعت المناضلة فى الفخ وسيبدأ المتربصون فى نهش الفريسة!!

٢- فى تصريح إعلامى للمتحدث باسم وزارة الصحة منذ أسبوع مضى رداً على أزمة نقص المحاليل الطبية، أفاد سيادته على لسان وزيره الكفء، أنه لا صحة لوجود أزمة فى المحاليل تماماً، وأننا نمتلك احتياطياً استراتيجياً يكفى لشهور! لقد أفاد سيادته أن إنتاج المحاليل فى مصر يتعدى 9 ملايين زجاجة شهرياً بزيادة 800 ألف زجاجة شهرياً عن الاحتياج الفعلى! أستمع إلى تصريحات سيادته باهتمام، وأشعر بالرضا عن الحياة، قبل أن أستمر فى البحث عن بعض زجاجات الملح للمرضى فى الصيدليات المجاورة للمستشفى الذى أعمل به دون جدوى! لماذا لا تستمع تلك الصيدليات لتصريحات المتحدث الرسمى لوزير الصحة؟! لماذا يصرون أنه يكذب؟! وإذا كان يكذب حقاً فلماذا لا يحاسبه أحد؟!

٣- يقف سيادة الأستاذ الدكتور وزير الصحة بثقة شديدة فى مؤتمره الصحفى الذى أقيم فى بدايات الشهر الماضى بمجلس الوزراء، ويبتسم ابتسامته الهادئة -معدومة السبب- فى وجه الكاميرات قبل أن يصرح بثقة شديدة بأن الوزارة لن تسمح بأن يتعرض المرضى فى مصر لأى مخاطر، أو أن يتم استغلال تحرير سعر الصرف للتهديد بنقص أو عدم توافر الأدوية للمرضى، وأضاف بنفس الثقة نصاً «أن ما أشيع عن مشكلة الأدوية هى أزمة مفتعلة لأن المواد الخام الخاصة بالأدوية متوفرة وغير مرتبطة بتحرير سعر الصرف».

لا أدرى كيف لا ترتبط المواد الخام «المستوردة» بسعر الصرف، ولكن الأمر يبدو مطمئناً، أشعر بالرضا عن حكومتنا الرشيدة كثيراً فى هذه اللحظة، فالمستقبل يبدو أكثر إشراقاً، ولكن لماذا يصرخ هؤلاء الأطباء -معدومو الوطنية- من نقص أدوية التخدير والقلب والسكر؟! لماذا ارتفع سعر الأدوية الحيوية لمرضى القلب لثلاثة أضعاف سعرها، وأصبحت تباع فى سوق موازية سوداء دون ضابط أو رقيب؟! ألم يسمع أحد منهم تصريحات السيد الوزير؟!

٤- يقف السيد وزير الصحة فى مواجهة الصحفيين مرة أخرى ليصرح مبتسماً بارتياح كالعادة -عقب اجتماعه مع السيد رئيس الوزراء- بأنه قد أسند للشركة المصرية لتجارة الأدوية مهمة استيراد الأدوية الحيوية التى تعانى السوق من نقص حاد فيها! التصريح يأتى بعد أيام قليلة من تصريحه الأول بعدم وجود أزمة فى الدواء! تتدافع التساؤلات فى رأسى، هل كان سيادته لا يعرف أن هناك أزمة حين صرح تصريحه السابق؟ هل كانت الحقيقة التى يعرفها كل طبيب حديث التخرج فى مصر غائبة عن سيادته؟! أم أنه لم يكن يصرح بالحقيقة وقتها؟!

هل كذب علينا سيادة الوزير.. وهل يكذب الوزراء؟!

٥- لقد تم التحقيق مع منى مينا بعد بلاغ وزارة الصحة ضدها على خلفية تصريحها التليفزيونى -الذى أرى أنها أخطأت فيه حقاً- والذى استند إلى رسالة هاتفية من طبيب شاب، رفضت هى أن تفصح عن اسمه خوفاً عليه من التنكيل به، وتم الإفراج عنها بكفالة مالية، ما يعنى أنها ستحاكم على تصريحها «غير الدقيق».. أو المحرف كما صرحت هى!

ستعاقب منى مينا على تصريحها «الكاذب»، وهو قمة العدل من وجهة نظرى، ولكن هل سيعاقب كل من كذب؟! هل سيحاسب من كذب على الناس وأنكر وجود الأزمة قبل أن يعترف بها؟! هل سيحاسب كل من حاول دفن رأسه فى الرمال حتى وصلنا لهذه الدرجة من الانهيار؟!

حاكموا منى مينا، اسجنوها إن أردتم، ولكن -فضلاً - قبل أن تفعلوا وفروا الدواء للمرضى، وحاكموا كل من كذب!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف