الوطن
د. محمود خليل
.. إلا الأرض
تقرير مفوضى «الإدارية العليا» قالها صريحة: «تيران وصنافير مصريتان». وأوصى نصاً بـ«استمرار هاتين الجزيرتين ضمن الإقليم البرى المصرى، وضمن حدود الدولة المصرية، واستمرار السيادة المصرية عليهما، وحظر تغيير وصفهما بأى شكل لصالح أية دولة أخرى». كانت دائرة فحص الطعون الأولى بالمحكمة الإدارية العليا، أجلت -أمس الأول- النظر فى الطعن المقام من الحكومة لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى، الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، لجلسة 19 ديسمبر الجارى، للاطلاع على تقرير هيئة مفوضى الدولة وتقديم المستندات.

تقرير مفوضى «الإدارية العليا» قطع الشك باليقين، مستنداً إلى العديد من الوثائق والمستندات. ومن يقرأ سطور هذا التقرير سيجد أن معنى «إلا الأرض» يتجلى فى كل ناحية من أنحائها، وهو المعنى الذى صرخ به مئات من الشباب المصريين فى المظاهرات الشهيرة أمام نقابة الصحفيين عندما دافعوا عن مصرية الجزيرتين، فكان جزاؤهم القبوع خلف قضبان السجون. ولست أدرى هل تضع لجنة الإفراج التى تشكلت عن الشباب عقب مؤتمر «شرم الشيخ» هؤلاء المدافعين عن الأرض فى حساباتها أم لا؟!. واقع الحال يقول إن كل من سُجن بسبب الدفاع عن الجزيرتين لا بد أن يصدر قرار فورى بالإفراج عنه، وأن يرد له اعتباره كاملاً. وكل ما ترتب من توابع على معركة الدفاع عن الجزيرتين لا بد أن يعاد النظر فيه، بما فى ذلك قضية حبس نقيب الصحفيين ورفاقه، لأن التهمة الموجهة بإخفاء متظاهرين دفاعاً عن مصرية تيران وصنافير لم تعد ذات وجاهة من الناحيتين الأخلاقية والموضوعية.

الحكومة المصرية من ناحيتها ملتزمة بتنفيذ أحكام القضاء، وقد نشرت جريدة «المصرى اليوم» على لسان مصادر أنه قد تم تشديد الإجراءات الأمنية المصرية فى الجزيرتين، وظنى أن الحكومة اجتهدت فى هذا السياق، لكن القضاء صحح اجتهادها. دعونا نكن صرحاء ونقول إن الظروف الاقتصادية القاسية التى تعيشها مصر كانت محل استغلال من جانب أطراف عدة فى المنطقة، وإن ضغوطاً متنوعة مورست علينا فى هذا الاتجاه، لكن فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، وعندما يتعلق الأمر بمسألة الأرض، فلا بد أن تثق أن أى مصرى، أو أية مؤسسة مصرية، سوف تنهض بحمايتها والدفاع عنها، لأن المصريين سواء فى هذا الأمر، يشهد على ذلك تجربتهم فى الفترة التى وقعت بين عامى 1967 و1973. بإمكان من عاصر هذه الفترة أن يتذكر كيف كان الألم يعتصر كل مصرى، ولم يهدأ لهذا الشعب جفن ولم يقر له جنب حتى تمكن من هزيمة الهزيمة فى حرب أكتوبر. ويشهد التاريخ أن أداء المصريين خلال فترة الحرب -شعباً وجيشاً وقيادة- كان أداءً استثنائياً، ووجه الاستثناء فيه يتعلق بالنتائج الكبرى التى تمخض عنها، فى وقت كان يراهن فيه كثيرون على عجز المصريين، وتحققت هذه النتائج بإمكانيات محدودة، تفوق فيها الإنسان على المعدة، وامتاز فيها الزمان على المكان، والتاريخ على الجغرافيا.. فقد كانت السلعة غالية.. إنها الأرض!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف