المصريون
جمال سلطان
معركة "الكاتشب" .. ورأس المال المستباح
تفجرت خلال الأيام الماضية قضية ذات طابع اقتصادي على نطاق واسع ، وهي المتعلقة بمنتجات إحدى الشركات الكبرى لإنتاج المواد الغذائية ، الصلصلة والكاتشاب والمايونيز وخلافه ، ووصل بلاغ إلى النائب العام يتهم الشركة بالإضرار العمدي بالصحة العامة للشعب المصري وأنها تبيع للناس منتجات مسممة وتسبب السرطانات وأنواع الأمراض المختلفة وتم نشر صور لطماطم فاسدة على أنها تخص الشركة ، وقد ردت الشركة على ذلك بأن الصور المنشورة مزيفة وأنه عادة يتم فرز الثمار لإبعاد الفاسد منها وأن هناك حملة مقصودة للإضرار بالشركة ، وفتحت النيابة العامة تحقيقا في الاتهام ، وتردد أنه تم القبض على بعض مديري الشركة ، كما تولت بعض الصحف والمواقع والفضائيات النفخ في الموضوع بصورة ملحوظة ، مع الميل إلى اتهام الشركة وتثبيت التهمة عليها ، رغم أن التحقيق لم يتم وتحليل المنتج لم يحدث ، وبدا الأمر كما لو كان صراعا بين جهات متنافسة ، يهدف طرف من الأطراف لتدمير السمعة التجارية للمنافس ، وقد أضاف جوا من الإثارة إلى القضية أن بعض الفضائيات والمواقع الشهيرة التي تبنت الهجوم على الشركة ترتبط بعلاقات خاصة مع أجهزة مهمة في الدولة ، الأمر الذي فتح الباب أمام تكهنات كثيرة وشائعات أكثر مع غياب الحقيقة . مشكلة القضايا المتعلقة بالنشاطات الاقتصادية وخاصة مجال الأغذية أو الأدوية أو ما يتعلق بالحياة اليومية للمواطنين أنها عالية الخطورة ، والخطأ فيها يصعب تصحيحه أو معالجة نتائجه ، وإذا أضفت إلى ذلك أنك تتحدث عن شركات لها استثمارات بمليارات الجنيهات ويعمل فيها عشرات الآلاف من المواطنين ، بيوتهم مفتوحة من دورة العمل في تلك الشركات ، فإن الأمر يصبح هنا كارثيا عندما يترك لفوضى القرارات والإجراءات والنشر وغياب القوانين المنظمة لهذه القضايا وخاصة تلك التي تحمي سمعة الشركات ، ولعلنا نذكر صاحب مطاعم الكباب الشهيرة الذين فجروا له قضية استخدام لحوم الحمير في سلسلة مطاعمه المنتشرة في محافظات الجمهورية قبل عدة أشهر ، وقد ظهر الرجل على شاشات التليفزيون يبكي لانهيار استثماراته والدمار الواسع الذي لحق بمحلاته وأنه يصعب أن يصحح الأمر بدون خسائر فادحة ، وقد برأته التحقيقات بعد ذلك من تلك الاتهامات ، ولكنها براءة رمزية ، لا قيمة لها من الناحية العملية ، فقد تم تدميره بالفعل وانتهى الأمر . وقبله ، أيام مبارك ، كانت هناك قصة شهيرة لصاحب محلات التوحيد والنور ، التي نجحت بصورة مذهلة وسريعة في مجال بيع التجزئة وأصبحت منافسا لعمالقة مثل عمر أفندي على مستوى الجمهورية ، وهي سلسلة متاجر يعمل في دائرتها آلاف المصريين ، وفوجئ الناس بمباحث الأموال العامة تتهم رجل الأعمال بتهمة غريبة ، وهي أنه تزوج بزوجة خامسة قبل انقضاء عدة طلاق الزوجة الرابعة ، وهي دقة فقهية مثيرة عندما تتابعها مباحث الأموال العامة ، وتم توظيف حملة إعلامية ضخمة وقتها للتحريض على الرجل وتشويه سمعته ، وانتهى الأمر بسجن الرجل ثلاث سنوات ، لكن من حسن حظه وحظ العاملين أن كان له أولاد ساهموا في عدم انهيار الشركة خلال سنوات سجنه . بالعودة إلى موضوع شركة الصناعات الغذائية التي نعيش الضجة حولها الآن ، فقد أعلن جهاز حماية المستهلك أنه يحلل منتجات الشركة وسيصدر تقريرا عن نتيجة التحليل اليوم أو غدا ، وأيا كانت نتيجة التحليل ، فتدمير سمعة الشركة قد تم بالفعل ، وستعاني لشهور طويلة وربما سنوات لكي تستعيد ثقة المستهلك في منتجاتها من جديد . مكتب النائب العام يصدر بصفة متكررة كثيرا في السنوات الأخيرة قرارات بحظر النشر سريعا في تحقيقات متعلقة بقضايا فرعية وصغيرة تتعلق بشخص ، كرجل شرطة أو رجل نيابة أو قاض ، ويجبر الجميع ، فضائيات وصحفا ومواقع الكترونية وغيرها على الامتناع عن نشر أي شيء يتعلق بالموضوع باستثناء البيانات التي تصدرها النيابة العامة ، وهي لا تصدر شيئا عادة ، فإذا كان هذا الأمر لحماية سمعة شخص ، الضرر فيه لن يتجاوز فردا واحدا أو حتى أسرته ، فكيف بسمعة شركات يتضرر من إهدارها عشرات الآلاف من المواطنين ، وخراب بيوت حقيقي في ظل أزمات طاحنة تعاني منها الدولة وتعجز عن توفير فرص عمل لأفواج بالملايين يضافون لسوق العمل كل عام . أناشد النائب العام أن يصدر قرارات عاجلة بوقف النشر في مثل تلك الاتهامات والقضايا التي يظهر فيها روح الصراع غير الشريف والتنافس وتدمير السمعة ، ليس تسترا على أي فساد ، فالمؤكد أن النيابة العامة ستستقصي أطراف الاتهام وتستدعي الشهود وتطلب تحليلات علمية من الجهات المختصة ، فإذا ثبت الاتهام بعد تحقيقات جادة ووافية فتستحق تلك الشركات أن تفضح على رؤوس الأشهاد بل وأن تفرض عليها تعويضات مالية كبيرة ، توجه إلى قطاعات الصحة المختلفة ، وأما إذا أثبتت التحقيقات براءة ذمتها ، وأن البلاغات كيدية ، فنكون قد حمينا تلك الشركات والعاملين فيها من الدمار والخراب ، الذي لن ينقذهم منه بعد ذلك أن يقول القضاء أن التهمة كاذبة أو أن البلاغ كيدي ، لأن السمعة ضاعت بالفعل بحملات التشهير الإعلامية واسعة النطاق ، والتي يمكن أن يدخل فيها تصفية حسابات بين شركات متنافسة ، تدفع لتدمير سمعة المنافس بأي طريقة ، دون أي اعتبار لضحايا من عمال وموظفين وسائقين وموزعين وفنيين ومحاسبين وغيرهم ، لا ذنب لهم في تلك المعارك .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف