الوطن
د. محمود خليل
مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد..!
الأسابيع تتلاحق، وتستحيل إلى أشهر، وأزمة السكر على حالها، بل تزداد تفاقماً، بل لقد وصل الأمر إلى صرف السكر ببطاقة الرقم القومى، وخطاب من جهة العمل بالنسبة للموظفين، يشهد أن «طالب السكر» على قوة الحكومة، ويعمل فى دولابها!. لم يعد من سبيل للحصول على كيس سكر، إلا أحد طريقين: إما خوض معركة طاحنة فى طوابير البيع، حين يتوافر، وهى معركة لا تطول، لأن المعروض من السلعة سرعان ما يختفى، لتجد من كانوا يحلمون بـ«الكيس» عائدين، وهم يجرون أذيال الخيبة والإحباط، أو أن تكون من «المحاظيظ» الذين يأتيهم السكر وهم معززون مكرمون من خلال جهات حكومية لها خلصاؤها.

سلوك «استلاف السكر» بدا مستغرباً للكثير من المصريين مع اشتعال الأزمة، ولكن بمرور الوقت ألفه الناس، ولم يعد يشعرون بالاختشاء منه. هذا السلوك لم تعرفه مصر إلا فى أيام الحرب. من عاصر فترة الستينات والسبعينات -من القرن الماضى- لا بد أنه صادف هذا السلوك واستمع إلى أحد الجيران، وهو يسأل آخر: «معندكش كوباية سكر؟!». كانت أيام حرب طفح فيها المصريون المرار، ولم يكن يدور بخلدهم أن تدور الأيام دورتها، ليعيشوا فترة لا حرب فيها ولا قتال، ولا أرض محتلة، ولا غارات تتقاطر فوق رؤوسهم، يستعيدون فيها نفس السؤال التقليدى: «معندكش كوباية سكر؟». هل تدرك الحكومة الحالية معنى ما أوصلتنا إليه؟!. هل تفهم الحكومة أن دفاتر التاريخ سوف تسجل أن أولى الأمر فى مصر خرقوا سقف التضخم، ووصلوا بالدولار إلى ما يزيد على 18 جنيهاً، ورفعوا أسعار كل السلع والخدمات، وقرروا إحالة مئات الألوف من الموظفين إلى المعاش بقانون خدمة مدنية ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، ووزعت السكر بالرقم القومى وبشهادة من جهة العمل بأن مريد السكر موظف حسن السير والسلوك، ثم ألجأت المواطن فى النهاية إلى «استلاف السكر»؟. هل تفهم الحكومة الحالية معنى أن يكتب عنها التاريخ ذلك؟.

لا أريد أن أحبط أحداً، لكننى أستغرب من إصرار الحكومة على الحديث على أن ما تقوم به «إصلاح اقتصادى» سوف يؤتى أكله فى المستقبل. مؤكد أننا جميعاً نتمنى أن ينصلح الحال، وأن يقيل الله عثرة هذا البد، لكن الأمنيات شىء، والواقع شىء آخر. الواقع يقول إن الحكومة وعدتنا بأن تعويم الجنيه سيلجم سعر الدولار بعد أن حلّق فى السوق السوداء، فإذا بالدولار يتجاوز أعلى سعر وصل إليه فى السوق السوداء داخل البنوك. الحكومة وعدت بأن الأسعار سوف تظل كما هى -بغض النظر عن سعر الدولار- فإذا بكل شىء ينفجر بصورة غير مسبوقة. السلطة فى مصر تحدثت منذ شروعها فى خفض الدعم عام 2014، بأنها تريد صرف المليارات التى تتوفر على تعليم وصحة المصريين، فإذا بالتعليم يزداد تدهوراً، وإذا بالمريض لا يجد الدواء، حتى من جيبه الخاص، وأصبحت عصابات بيع الأعضاء شركاً بين المجرمين وأساتذة الجامعات والأطباء، ليستغلوا حاجة مواطن اضطر لبيع قطعة من لحمه كى يعيش!. تلك الحال التى لا تخفى على أحد سوف تظل راسخة فى ذاكرة المصريين، لتبقى شاهداً على المأساة التى يمكن أن تصل إليها البلدان عندما تدار بنظرية «مدد.. مدد.. مدد.. شدى حيلك يا بلد»!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف