(1)
«قارب نجاة صرخت.. قالوا مفيش
غير بس هو الحب..
قارب نجاة».
ماذا يفعل المحبون فى عيد الحب؟. يشعلون شموعاً، ويتبادلون وروداً وهدايا، ثم يبتسم كل منهم فى وجه الآخر ويغنى على ليلاه. يقول كلاماً منمقاً، وربما زائفاً: «هابى فالنتاين»، ثم ينام على حزمة وعود وإجابات مفادها: «بحبك». كانت كلمة «بحبك» رباطاً مقدساً، وكان الوطن والحبيبة وجهين لعملة واحدة، وكنا نسمى مصر بأسماء بناتنا: «يا جميلة ومريم وبهية». فجأة أصبحت حمرة الفالنتاين باهتة: خمس دقائق سلام فى أربع وعشرين ساعة حرب، تبدأ صباحاً بـ«نكد الوظيفة» وتنتهى مساءً بـ«نكد المدام»!. القلوب التى صنعت ثورات وصدّت موجات عدوان ورفعت سداً وأبدعت أدباً وفناً وعبرت هزائمها لم تعد تحب!. لم تعد تعرف كيف تحب!. لم يعد لديها حافز أو وقت لتلك الكلمة الطيبة العذبة: «بحبك».
(2)
«لو التصقنا..
نموت بضربة حجر
ولو افترقنا..
نموت متحسرين»
التقيا فى محطة فاصلة: القطار واحد، والمآل واحد، لكن المقعدين ملتصقان ظهراً لظهر. البنت مخنوقة: «الشغل حظيرة ذئاب، والبيت عريس فى غرفة الصالون». والولد محكم كاليقين: «أعطنى يدك». قالت البنت: «أنا لست جميلة كما تظن». قال الولد: «صوتك يريحنى». قالت: «صوتى ليس جميلاً أيضاً». قال: «صوتك دافىء وفخم وعريض.. يحيطنى كشرنقة». تبادلا موقعيهما. تحدثت عن وسواس الموت، فردها بحديث عن جراحة خطرة: «رأيت موتى ينزفنى على مقعد إلى جوار السرير». تحدث عن مرارة الوحدة، فتسللت وساوسها من دون أن تدرى إلى برواز قديم على جدار غرفته: «أنا بين عينيك.. لكنك لا ترانى». اقترب محاذراً وتحسس محيطها كأعمى، ثم باغتها بسؤالٍ.. آملاً أن يلمس وتراً مشدوداً: «ماذا لو جلس ذئب فى غرفة الصالون وطلب قلبك؟». قفزت على السؤال وانفلتت كالفرس: «هنشوف بعض إمتى؟». قال: «أخاف أن نلتقى فى غيمة.. ونفترق فى عش».
(3)
«أربع شفايف
يشربوا الشاى باللبن
ويبوسوا بعض ويحضنوا
نور النهار».
القاهرة شتاءً. العاشرة والنصف من صباح يوم جمعة. الشوارع هادئة، والشمس تسيل حليباً وبرتقالاً، والناس يتقلبون أحراراً فى دفء عاصمتهم. بنات وشبان يتنزهون على كورنيش النيل، أو يتهامسون فى حدائق الميادين. البنت سافرة أو محجبة.. لا فرق. عيناها تتوسلان، وعلى صدر الـ«تى شيرت» سهم كيوبيد من الضلع إلى الثدى، وقوس الولد مشدود. الولد يبتكر «قصيدة»، والبنت «عايزة بيت». بعد ساعة أو أكثر تبدأ بشائر صلاة الجمعة. يذوب الجزء فى الكل والحسى فى المقدس. فجأة.. يكتشف الاثنان أنهما معتقلان فى «كردون أمن»، وأن الشوارع ليست هادئة، والناس ليسوا أحراراً، والفضاء ليس دافئاً، والشمس ماسخة.. فيتزوجان.
(4)
«الدنيا أوضة كبيرة للانتظار
فيها ابن آدم
زيه زى الحمار»
يذهب الولد إلى عمله. يحاول أن يكون مخلصاً ليطلب حقه، فيأخذ شلوتاً فى بطنه لأنه بلا ظهر. يغل فى نفسه. تركبه الأمراض. يكره الدنيا. يحجب البنت ليسترها. يربط الولد فى رجل المكتب ليذاكر. يكتفى بـ«27 دقيقة شغل». يصلى الظهر فى ساعة ونصف ويلم أوراقه فى آخر ركعة. يحسب حساب زحمة المواصلات. يريد أن يتغدى مع العيال ويلحق الماتش. تحرضه البنت على النزول إلى القهوة لتتحرر من نكده. يعود إلى البيت بهزيمة جديدة: «اتقفلت دومينو». يذهب إلى السرير مجرداً من كل أسلحته القديمة. يكتشف وهو نائم على ظهره أنه لم يعد يرى نصفه الأسفل بسبب كرشه. يسمع المدام تنادى عليه فيعطيها ظهره ويشخر. يستيقظ فيكتشف أنه كان يريد أن يكمل نصف دينه.. فأضاع النصف الآخر.
(5)
«العب أسد أو ديب رهيب أو غزال
دى الدنيا فى نهاية المطاف.. غابة»
تصطف أسرة -من سروال جينز قديم وسهم كيوبيد على ثديين مترهلين وثلاثة أطفال وستمائة جنيه- على سلم آمن فى سرة العاصمة، وقد خبأت غلها فى شعار: «يسقط الشيستم». كم عاماً على سُدة الحكم تكفى ليدرك الحاكم أن الشعب نصل ذو حدين، قد يصعد إليه فى عليائه فيأكله، وقد يهبط عند قدميه فيحرق الأرض من تحته؟. كم «ثأراً وثورة» تكفى ليتعب الشعب من الاصطفاف على سلم آمن فى سرة العاصمة؟. كم مليوناً تكفى ليتذكر اللص أن «صاد» القصر و«باء» القبر ضلفتا باب واحد؟. كم خيانة تكفى لتعترف النخبة أنها ساعة الجد لا تنصف مواطناً ولا تضمن شرعية حاكم؟