أمر سيئ أن يتصدي أحد للحديث في موضوع لا يعرف عنه إلا القليل.. وأبرز مثال علي ذلك بعض من يتحدثون عن موضوع تحويل الدعم العيني إلي نقدي. أو الذين يتحدثون عن التخلص من "الوهم" من أجل إيصال الدعم إلي مستحقيه الحقيقيين. ومن أجل توفير كما يقولون نحو مليار وربع المليار جنيه.
وفي البداية يجب أن نتذكر ما تفعله الحكومة منذ عامين عندما قررت وضع برنامج للتخلص من دعم الطاقة خلال خمس سنوات أي أننا لسنا إزاء مفاضلة الآن أو اختيار ما بين دعم عيني ودعم نقدي لأن الحكومة قررت وبدأت التنفيذ في التخلص من دعم الطاقة. وهي عازمة كما قالت علي الاستقرار في التخلص من دعم الطاقة "كهرباء ومنتجات بترولية" وهو الدعم الأكبر في الموازنة.. وفي ذات الوقت تقوم الحكومة بتنفيذ برنامج دعمي نقدي في إطار برنامج تكافل وكرامة يستهدف تقديم دعم لنحو 1.7 مليون مستفيد في العام المقبل.
أيضاً لم تكتف الحكومة بالتخلص التدريجي من أكبر دعم عيني تقدمه الموازنة وهو دعم الطاقة. وإنما لجأت أيضاً إلي التخلص من الدعم الذي تقدمه في بعض الخدمات مثل مياه الشرب والصرف الصحي.. إذن لقد سبق السيف العزل كما يقولون. وبدأت الحكومة بالفعل ليس مجرد تحويل الدعم العيني إلي نقدي وإنما إلي التخلص من الدعم العيني في أهم المجالات وهو مجال الطاقة الذي كان يستأثر بنسبة ثلثي الأموال المخصصة للدعم في الموازنة.
يتبقي بعد ذلك دعم رغيف العيش والدعم المخصص للبطاقات التموينية وهو دعم ليس كبيراً بالقياس لدعم الطاقة الأكبر.. وهنا لا أظن بعد أن امتد بنا إلي منظومة جديدة للخبز مازلنا نحتاج للتخلص من دعم رغيف العيش الذي يذهب بالفعل إلي مستحقيه. أو إن شئنا قلنا أغلب المستفيدين منه هم المستحقون لهذا الدعم.. ومن الخطأ التنكير في إلغاء هذا الدعم. خاصة بعد أن أتحنا فرصة الاستفادة من نقاط الخبز الذي يوفره المستهلكون في الحصول علي سلع أخري. في ظل هذا الغلاء شديد القسوة علي أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.
وربما الذي يحتاج إلي مراجعة هي كل مراحل وآليات منظومة الخبز منذ توزيع الدقيق حتي صناعة رغيف الخبز لسد أي ثغرات ينفذ منها من يسعون لنهب قدر من هذا الدعم المخصص لرغيف الخبز. وهو الأمر الذي تؤكده أرقام زيادة دعم الخبز بينما هناك توفير في استهلاكه.. وهذا ما كنا نطالب به وزير التموين السابق. ويتعين علي وزير التموين الحالي أن يعيره اهتمامه.
أما دعم البطاقات التموينية والذي هو بالمناسبة الدعم الأقل في الموازنة إذا ما قورن بأوجه الدعم الأخري. خاصة دعم الطاقة. وبتفصيل أكثر دعم السولار. فإن الحكومة تقوم بمراجعته حالياً من خلال مراجعة البطاقات التموينية باستبعاد غير المستحقين.. وتستهدف الحكومة من هذه المراجعة التخلص تقريباً من ربع عدد حائزي البطاقات التموينية للوصول بالعدد إلي نحو 60مليون مواطن مستقبلاً.
ولذلك بدلاً من الحديث هنا عن استبدال الدعم العيني إلي نقدي فالأجدي الحديث عن استخدام ما ستوفره عملية المراجعة للبطاقات التموينية من أموال في زيادة الدعم المخصص للفرد الواحد من حائزي بطاقات التموين. حتي لا تفتقد الزيادة كما حدث بعد انفلات التضخم وارتفاع الأسعار في أعقاب تعويم الجنيه. زيادة أسعار المنتجات البترولية. علي ثلاثة جنيهات للفرد الواحد.. فإن البطاقات التموينية لا يستفيد منها أصحاب الدخول المحدودة فقط وإنما أصحاب الدخول المتوسطة أيضاً.. وقد يكون ذلك إحدي الوسائل التي نخفف بها وطأة ارتفاع الأسعار عن كاهل الأسر المتوسطة والمحدودة.
وهكذا.. بإدعاء التخلص من الدعم ابتعدوا عن دعم رغيف العيش. ودعم بطاقات التموين. خاصة ان معظم هذا الدعم يذهب إلي مستحقيه بالفعل ويمكن بالمراجعة التأكد من ذلك واستبعاد غير المستحقين. فضلاً عن أن بقاءه الآن ضرورة في ظل غلاء فاحش يعاني منه أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة.
يتبقي بعد ذلك من الدعم العيني.. ذلك الدعم المخصص لخدمات النقل مثل أتوبيسات النقل العام في المدن. والمترو بالقاهرة. والسكك الحديدية.. وبالنسبة للأخيرة فقد بدأت قبل فترة ليست قليلة في مراجعة أسعارها بالفعل. خاصة تذاكر الدرجة الأولي.. أما بالنسبة لتذاكر النقل العام فإنه منذ فترة أيضاً بدأت هيئة النقل العام تتوسع في تسيير أتوبيسات التذكرة فيها بضعف ثمن التذكرة في الأتوبيسات القديمة.. ولا يتبقي سوي المترو الذي تلوح الحكومة بين الحين والآخر أنها سترفع قيمة تذكرة الركوب فيه.
وهنا يتعين القول إن في مقدور الحكومة أن تخفض الدعم المخصص لهذه الهيئات وفي هذه الخدمات من خلال مراجعة التكاليف.. تكاليف التشغيل واستثمار الموارد المتاحة لبعض الهيئات مثل الأراضي الشاسعة التي تملكها هيئة السكك الحديدية. وحرم المترو.. وبعد ذلك تفكر الحكومة في سعر خدمة النقل التي تقدمها حتي لا تحمل المستهلكين أخطاء إدارة هذه المرافق.