محمد سعد عبد الحفيظ
عار أهل المسار.. والوثيقة التاريخية
لن يقف التاريخ عند الفعل الفاضح الذي مارسه زملاء المهنة، في صحف حكومية وخاصة، عندما تعمدوا عدم نشر تقرير “هيئة مفوضي الدولة”، الذي تم تسليمه الأثنين 5 ديسمبر 2016، إلى المحكمة الإدارية العليا التي تنظر الطعن الصادر ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، والتى ينتقل بموجبها جزيرتى تيران وصنافير إلى آل سعود.
بعض زملاء “تصحيح المسار”، غيروا من مسارهم بعد الأزمة المتصاعدة بين القاهرة والرياض، وشنوا هجوما على حكام المملكة، وتهكموا على رقصة “طال عمره” الملك سلمان بجوار أمير قطر قبيل انعقاد قمة دول مجلس التعاون الخليجي، لكنهم لم ينشروا تقرير “المفوضين”، الذي يطعن في وطنية الطاعنين ويظهرهم بأنهم تخلوا عن جزء من تراب الوطن مارست الدولة المصرية السيادة عليه قبل أن تؤسس مملكة آل سعود.
جريمة تجاهل التقرير وعدم الإشارة إليه وإلى جلسة المحاكمة، أو اختزالها في خبر على 2 عمود في صفحة داخلية ستمر، فالتاريخ لا يقف طويلا عند جرائم صبيان المهنة، وسيذكر في باب “المزبلة” من كتاب التاريخ سطرا، عمن باعوا أوطانهم مقابل “الرز” والأظرف المغلقة والساعات الروليكس، أو لإرضاء حاكم ثبت عليه التنازل عن أراضي الوطن بأحكام قضائية باتة ونهائية.
في المقابل سيُفرد كتاب التاريخ بابا كاملا للوثيقة المهنية العملية التي أعدها المستشاران إسلام توفيق الشحات، وإبراهيم أبو العلا، تحت إشراف المستشار محمد محمود رسلان رئيس الدائرة الأولى عليا بهيئة مفوضي الدولة.
الوثيقة حسمت بما لا يدع مجالا للشك مصرية الجزيرتين، مفندة ما قدمه الطاعنين من مراسلات وخطابات لا ترقى إلى مستوى الوثائق، ومستعرضة نصوص الدستور ومضابط لجنة إعداد الدستور للوقوف على مقاصد المشرع الدستوري من صياغة المادة 151 التي حظرت التنازل عن أي جزء من إقليم الدولة، و”أن هذا الحظر قد جاء لحكمة وهي ألا تتجرأ أي سلطة على الاقتراب أو المساس بجزء من هذا الوطن، ولا ينفع في ذلك إجازة من مجلس النواب أو موافقة من الشعب، فالكل مقيد بهذا الحظر شعبُ وسلطات أمام الأجيال السابقة واللاحقة”.
لن أسهب في عرض التقرير المهني، الذي كتب بحس وطني، وصيغ صياغة علمية قانونية، وسأطرح على القارئ فقرات مختارة من الوثيقة التي جاءت في 52 صفحة:
*ومجمل القول إن كافة الوثائق والاتفاقيات والقرارات الدولية التي ارتبطت أو تطرقت للجزيرتين قد أكدت بما لا يدع مجالاً للشك في مصرية الجزيرتين تاريخياً وجغرافياً وسياسياً، كما أنها وإن تعاقبت على فترات زمنية متباينة إلا أنها صدعت بالحق، وهي في ذلك تؤكد على سيادة مصر على كامل إقليمها بما فيها الجزيرتين.
* وخلاصة ما سبق، فإن جميع المكاتبات المذكورة جاءت لتثبت وتؤكد السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير، وهي صادرة من وإلى أعضاء بالحكومة المصرية في العديد من الوزارات المعنية وفي أزمنة متفاوتة، أهميتها بما تُمثل من قرينة على تلك الحقيقة التاريخية.
· * وحيث إن تطبيق القوانين والقرارات على إقليم الدولة هو مظهر من مظاهر سيادة الدولة وفقاً لأحكام القانون الدولي والاتفاقيات الدولية باعتبار أن القاطنين على هذا الإقليم من المخاطبين بأحكام تلك القوانين والقرارات، ولما كانت الجزيرتين وفقاً لأحكام القانون المصري هما محميتين طبيعيتين فمن ثم يجب أن تحظى بالحماية الدستورية وفقاً لحكم المادة (45) من الدستور القائم، إذ ألزم المشرع الدستوري الدولة المصرية بحمايتها، كما أن إنشاء أقسام للشرطة عليها يعكس مدى رغبة الدولة في فرض القانون عليها وتطبيقه وملاحقة من يخالف أحكامه، وهو كما ذكرنا يمثل مظهراً من مظاهر السيادة الكاملة .
* وحيث أنه وعلى هدى ما تقدم، ولما كان من الثوابت التاريخية التي لا يُنكرها أحد أن الدولة المصرية هي أكبر وأقدم دولة في الشرق الأوسط، وواحدة من أقدم ثلاث حضارات في العالم، يعود تاريخها لما يقارب السبعة ألاف عام منذ بزوغ التاريخ بدءاً بالعصر الفرعوني ثم العصر اليوناني مروراً بالعصر الروماني فالعصر القبطي فالعصر الإسلامي، وما تخلل ذلك من غزو للفرس وحكم البطالمة والحكم البيزنطي والدولة الطولونية ثم الحكم العثماني، والاحتلال الفرنسي، ثم حكم أسرة محمد علي التي عاصرها الاحتلال الإنجليزي وانتهاءً بالإطاحة بالنظام الملكي وإعلان النظام الجمهوري، وعلى مر هذا التاريخ العريق لم يُنتقص شبرُ من أرضها بل إنها توسعت ليمتد إقليمها إلى ما جاوز حدودها، وقد خاضت العديد من الحروب داخل وخارج أراضيها للدفاع عن سيادتها وعدم الانتقاص من إقليمها، وكان آخر ما استردت من أرضها المقدسة ” طابا “بعد اتفاقية السلام الشهيرة، إذاً لا مراء في أن تاريخها هو الأقدم وموقعها هو الأعرق وحضارتها هي الأرسخ، وشرفٌ لجميع جيرانها أن يتحدوا معها في حدودها، كما أنه لا جدال في ممارسة مصر؛ فى جميع تلك العصور والفترات التاريخية؛ لسيادتها الكاملة على كامل إقليمها بما فيها – الجزيرتين – مثار النزاع، وما اطلعت عليه الهيئة من مستندات وخرائط تقطع بمصرية الجزيرتين دون أدنى شك أو ريب، بل إن بعض ما قدمه الطاعنون – أنفسهم – من مستندات كان له بالغ الأثر في التأكيد على ذلك.
* والثابت ان كل ما تقدم – بالإضافة الى ما ورد بالتفصيل في حكم أول درجة- يشي بما لا يدع مجالاً للشك على اتجاه الحكومات المصرية المتعاقبة إلى ممارسة مظاهر سيادتها على الجزيرتين باعتبارها أراضي مصرية خالصة بل أن مصر خاضت حروباً عليها فضلاً عن أنها وقعت اتفاقية سلام أفصحت إفصاحاً جهيراً بمصرية الجزيرتين مما يشكل إعلاناً واضحاً لا لبس فيه عن سيادتها وملكيتها، ويشهد التاريخ أن الجزيرتين قد سبق احتلالهما من قبل إسرائيل فى 1956 و1967 وحتى تاريخ تحريرهما لم تهب أي دولة للدفاع عن الجزيرتين سوى مصر صاحبة السيادة التاريخية الحقيقية على الجزيرتين، ولم يثبت اعتراض المملكة العربية السعودية على ذلك طيلة تلك السنوات.
* فضلا عن أن الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية والمرفق بالطعن الماثل والذي تضمن تاريخ وجغرافية مراحل تأسيس المملكة العربية السعودية من الدولة السعودية الأولى مرورا بالدولة السعودية الثانية والدولة السعودية لم يثبت به أن الجزيرتين تقعان في الحدود البرية للمملكة العربية السعودية.
وحيث إنه وبالبناء على ما سبق، فإن إقدام الحكومة المصرية على إبرام اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية – على النحو المشار إليه – بما يترتب عليه التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير – وهما جزء من الأراضي المصرية – هو أمرُ مخالف للدستور، إذ لا يجوز لأي سلطة فى الدولة أن تقوم بمحض إرادتها بعمل يحظره الدستور.
ومن مفاد ما تقدم، فإن الاتفاقية المعروضة والتي ترتب عليها تنازل عن جزء من الإقليم المصري أضحت هي والعدم سواء باطلة بطلاناً مطلقاً لاجتراء مبرمها على نصوص الدستور.