حمدى رزق
كُنتَ تَنفُخُ فى الرَّمادِ!
لقَد أسمَعتَ لَو نادَيتَ حَياً... ولكن لا حَياةَ لِمَن تُنادى
فَلَو ناراً نَفَختَ بِها أضاءَت... ولكن كُنتَ تَنفُخُ فى الرَّمادِ.
أخشى أن يكون الرئيس السيسى وهو ينادى بتجديد الخطاب الدينى مجدداً وكأنه ينفخ فى الرماد، ثلاث سنوات بثلاثة نداءات وتمخضت عن «الخطبة الموحدة» التى يقررها وزير الأوقاف من مكتبه، وحتى هذه يتحلل منها نفر من الخطباء والدعاة والأئمة ممن يرتقون المنبر فوق رقابنا.
نفر منهم مصرون على المضى قدما فى الطريق الذى أورثنا العجز عن إدراك المقاصد العليا للدين الحنيف، وأفشى فينا الكراهية، ورفض الآخر، والتكفير والتفسيق، ولاتزال طائفة منهم يعملون السيوف فى رقابنا دون أن تقشعر أبدانهم أو تجفل قلوبهم أو تفكر عقولهم، هم ناقلون ليسوا عاقلين، ولا يتدبرون.
درس السنوات الثلاث الضائعة يقول: «مَن شبّ على شىء شاب عليه»، و«مَن رضع وفُطِم على لبان لن يهضم غيره ولكن يغير مشربه»، ومن طعموا هذا الفكر وتشربوه واستبطنوه وتعلموه وعلموه وصار طريقاً مرصوفاً لن يحيدوا عنه، ولو اجتمع أهل الأرض جميعاً ما تركوه إلا أن يهلكوا دونه.
التجديد أو التحديث أو الثورة تتطلب مجددين ومحدثين وثائرين لوجه الله، لا يبغون وجهاً آخر، ينبت التجديد والتحديث والتثوير من داخلهم وعن قناعة وعن فهم وإدراك لصحيح الدين انطلاقا إلى اجتهاد عصرى يحلق كـ«يعسوب النحل» فوق التفسيرات جميعا، يمتص رحيقها ويخرج من بطونها عسلاً صافياً فيه شفاء للناس مما أصابهم من شرور عبر دهور مضت.
المهمة التى يلقيها الرئيس على أعتاق المؤسسة الأزهرية العريقة خارج المنهج الأزهرى، خارج التخصص تماماً، خارج ما تربى عليه الأزاهرة الذين لم تصل إليهم دعوة التجديد بعد، ولم تمس أفئدتهم، ولم تذهب قناعة إلى وجدانهم، ولم يستبطنوها فى مناهجهم، لايزالون عنها عازفين.
ربما لأنها دعوة فوقية من رئاسة الجمهورية، لم تأت من داخلهم، ولم يستشعروها فى دواخلهم، وليست بين شواغلهم، ولم يقولوا بها، ولم يجتمعوا عليها، لا أغالى إذا قلت إنها غريبة بين سوادهم الأعظم لأنهم لم ينوروا بها قبلا ولا بعدا، ولم يبصروا بأسبابها الحقيقية، ويخشون أن تكون استعمالاً سياسياً مؤقتاً، فهم يتمسكون بثوابت عبرت القرون إليهم، ومن يخرج عليها يحسبونهم من المبتدعين، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار.
الدعوة الرئاسية أخشى أنها محاطة بالشك والتشكيك فى أهدافها ومراميها، وإذ يقسم الرئيس فى تأكيد أنها لا لشخص ولا لسلطان بل لوجه الله تعالى، يشى بأن قطاعات أزهرية ودعوية وفكرية لاتزال تراوح مكانها فى تردد واضح لتبنى هذه الدعوة وغرسها وريها ورعايتها حتى تصير أشجارا تثمر التجديد الذى يرنو إليه كل حادب على الدعوة الإسلامية فى تجليها وألقها منارة للعالمين، دين أمة هى خير أمة أُخرجت للناس.
ظاهر للعيان أنها دعوة صادفت رفضاً مبطناً خفياً، والسؤال: هل سنظل ندور فى هذه الحلقة المفرغة طوال الوقت، ولطالما تلقاها الإمام الأكبر بترحاب؟ لماذا لا يدعو الأزهر علماء الأمة ومفكريها ودعاتها وعقولها النيرة إلى مؤتمر يتبنى أمر هذه الدعوة للتجديد، ويدعو إليها وينظر فى خيريتها ويقف على أهدافها، ويفسر حروفها، ويمتن متونها ويشرح مدلولاتها ويعكسها كمنهاج لا يفارق صحيح الدين، كتاب الله وسنة الرسول الكريم، عليه الصلاة والسلام؟!
الخشية المشروعة من المروق من خلال هذه الدعوة إلى هدم أو المساس بالثوابت يقينا ليس من بين أهداف الدعوة ولا أسبابها ولا خطر مثل هذا اللغو على قلب بشر، وإذا كان الأزهر حريصاً فالحريصون كثر، وحرص الأزهر وصميم دوره فى العالم الإسلامى يؤهله إلى هذا الدور لاسترداد صحيح الدين من براثن المرجفين، قربى إلى الله.