بوابة الشروق
جمال قطب
الإسلام كما أدين به
تنزل القرآن الكريم على الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم إيذانا بالمرحلة الأخيرة فى حياة البشرية؛ فالقرآن الكريم هو خاتم الوحى الإلهى من ناحية وفاتح باب الاجتهاد من ناحية أخرى، لذلك جاء التشريع القرآنى يحمل تنظيما للعدل والعدالة يصلح البشرية ويناسبها إلى آخر لحظة فى حياتها. وقد توافق الفقهاء على أن قانون الجزاء الإسلامى يضم مستويين هما التعذيرات والحدود... والتعزيرات جميعها مفوضة إلى فقهاء وقضاة الأمة أو إلى «الهيئة النيابية» صاحبة وظيفة التقنين(مصطلح التقنين أقرب إلى الهيئة النيابية من مصطلح التشريع حتى نفرق بين الأصول التى جاء بها الوحى وبين الفروع المتجددة التى يأتى بها الفقه فى كل زمان ومكان). والمستوى الآخر هو الحدود، وعند ذكر الحدود لابد أن يكون الكلام واضحا لا لبس فيه.

ــ1ــ

مصطلح الحدود (حدود الله) مصطلح شرعى المصدر (قرآنى) كما أنه فقهى الاستعمال والاستخدام، فقد جاء مصطلح (حدود الله) فى القرآن 14 مرة جاءت كلها بيانا للمحرمات التى أمر الشرع إما باجتنابها أو الابتعاد بعيدا عنها، إما بالتحذير من الاقتراب منها، وقد أشار القرآن إلى هاتين الدرجتين فى الاجتناب بقوله تعالى فى آية «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا»، أى حدود لابد من الابتعاد بعيدا عنها وعن منطقة وجودها وأسباب حدوثها مثل النهى القرآنى المشدد عن الاقتراب من الخمر بقوله تعالى (...رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ....)، أى يجب على المسلم الابتعاد بعيدا عن الخمر فلا يراها ولا يشمها ولا يحضر مجلسها، ولا يمسكها، ولا يناولها لأحد، ولا يصنعها، ولا يتربح منها ولا يتناولها ولا يشارك فى رواجها...إلخ هذا معنى قوله تعالى (فلا تقربوها)، (فاجتنبوه).

والدرجة الأخرى من الحدود وبينها القرآن بقوله «...تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا...»، أى أن هذه الحدود (العلاقات الإنسانية) لا يستطيع الإنسان اجتنابها، بذلك يسمح الشرع للمسلم بممارسة العلاقات الإنسانية إلى غاية (الحدود) التى ينهى عنها الشرع فلا يجوز اختراق تلك الحدود أو تجاوزها.

ــ2ــ

لكن القرآن الكريم قد فتح مصطلح (حدود الله) فجعل له استعمالين أحدهما خاص وهو (الحدود التشريعية) التى ذكرها القرآن فى جميع أحكامه، والآخر استعمال عام يعبر عن مجموع ما حواه الوحى من عقائد وتشريعات وأخلاق حيث يقول اللهجل جلاله «الأَعْرَاب أَشدّ كفْرا وَنِفَاقا وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلى رَسولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» هكذا فهم العلماء والفقهاء أن القرآن الكريم كله وما تعلق به من البيان النبوى هو (حدود ما أنزل الله على رسوله) كذلك فإن القرآن قد أشار إلى سلوك المسلم حيال (حدود الله) فوصى الطائفين بقوله «....وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ.....» أى أنهم يعلمون الحدود ويعرفونها، فضلا عن أنهم يحافظون على الالتزام بها فلا يقربوا ما منع الشرع الاقتراب منه، ولا يتعدوا ما حذر الشرع من تجاوزه وتعديه حتى لا يتعرض المسلم لغضب الله وعقابه، حيث يقول جل جلاله (...ومن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.....)، كما أكد القرآن «وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا ...».

ــ3ــ

بعد هذه المقدمة السريعة يجد المسلم نفسه أمام حقيقة شرعية ثابتة بالقرآن الكريم مفادها أن جميع ما أنزل الله هو حدود الرسالة وجميع أبعادها التى لا يجوز التغافل عنها أو تجاوزها أو مخالفتها فضلا عن (سقف العقوبات) فى جرائم (السرقة / الزنا /الحرابة / القذف / القصاص / القتل) فهذه الجرائم الست ذكرها القرآن الكريم وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا ساميا وكافيا لذلك فإن أى جريمة من هذه الجرائم الست إذا استوفت أركانها وشروطها ورفع أمرها إلى القاضى أو إلى السلطة فلابد من الالتزام بالسقف الجزائى الوارد بشأنها فى القرآن دون أدنى تقصير، وموضوع (الأركان والشروط هو موضوع الفقه والتفقه).

–4–

تلك الجرائم الست التى تسمى (الجرائم الحدية) ولا تكون الجريمة حدية إلا بنص تجريمى ونص جزائى وارد فى القرآن الكريم ومبين فى السنة النبوية. أما ما تتضمنه كتب الفقه من زيادة (شرب الخمر / الردة) على منظومة الحدود، فذلك اجتهاد فقهى أدرجه الفقهاء ضمن الحدود، ولا يعنى هذا أن الخمر والردة ليستا جرائم... حاشا لله بل هى جرائم وجرائم مشددة لكنها داخل نطاق «التعازير» وليس فى نطاق الحدود.
يتبع،،،،
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف