الأهرام
أحمد سعيد طنطاوى
عروسة مولد مطلقة وفارس مخلوع
على وسائل التواصل الاجتماعى انتشرت نكتة سخيفة عن عروسة المولد.. ولأنها سخيفة فلن أعيد نشرها.. واختصارها أنه تم التلميح فيها بأن سعر المطلقة أقل بكثير من سعر العروسة العادية.
والمعنى حقا سخيف والنكتة لا تضحك.. لأنه يسىء إلى المرأة المطلقة ويضعها فى صورة أقل وضعا من المتزوجة.. أو البكر.. فلا المطلقة أقل حالا من المتزوجة ولا هى أقل حالا من الأرملة أو البكر.. بل على العكس تشير الدراسات إلى أن كثيرين منهن يتجاذبن الحياة بجهاد وصبر وكفاح.. وأنهن العائل الرئيسى لأولادهن إذا غاب المُعيل أو فقد!
ولأننا صرنا فى وضع اقتصادى سيئ.. والخبراء قالوا لنا قديما إن المصرى يسخر فى الأوضاع الاقتصادية السيئة وتزداد سخريته كلما زادت الأوضاع سوءا لدرجة أنه يسخر من نفسه.. ولكن النفس هنا هذه المرة هى أخته أو أمه أو ابنته أو جارته، فالمطلقة لن تكون إلا واحدة منهن.
ومع احترامى لجميع المحللين والمنظرين وعلماء النفس.. أرى أن السخرية قد أضرت كثيرا بمصر والمصريين عبر سنين طويلة، وأن علماء النفس قد ضحكوا علينا عندما أقنعونا بأننا عندما نسخر من أنفسنا فى أحلك الظروف.. فإن هذه تعد مقاومة للفقر وللجوع وللأمراض وللظروف الحالكة، وأننا نفعل من أجل أن تسير وتستمر الحياة.
أعتقد أن هذه السخرية عبر التاريخ المصرى جعلتنا نقبل الأوضاع السيئة (من سخرة أو احتلال أو غيرهما) طالما سخرنا منها، بدلا من أن نرفضها بالعمل والاجتهاد والتغيير الفعلى والكفاح.. فلو كان كل ما فعلناه مجرد مصمصة شفاه وجملتين ساخرتين من الاحتلال الإنجليزى بوصفنا له (كوبة تاخد الإنجليز) لما رحلوا عن بلادنا.. ولولا رجال لم يقفوا ساخرين لما رحل الاستعمار.
وفى رأيى الشخصى أن هذه السخرية الممتدة والكثيرة عند المصريين قد أماتت فينا وفيمن حولنا الإنسانية أحيانا والذوق فى أحيان أخرى وأظهرت العنصرية فى مواقف كثيرة.. فليس مطلوبا منا كلما اقتربنا من أحد أن نوضح له أن دمنا خفيف بالسخرية من الآخرين، وأن خفة دمنا هى أساس عجينتنا الطينية، وأن علينا أن نسخر من أى شخص، فى أى وقت وفى أى مكان، حتى لو كانوا أمهاتنا أو آباءنا أو مطلقاتنا.
أحيانا تدخل فى الدائرة التى لا تعرف بداية طرفها من آخرها، فإذا سخر أحد منك فإنك بسرعة تقفز فى الدائرة وتنضم إلى الساخرين لتبعد السخرية عنك وتنقلها إلى الآخرين.
والنساء المطلقات دخلن الدائرة وقفزن فيها وأطلقن نكتة أكثر سخافة عن الرجل وقلن البادى أظلم.. ويا ويلك من كيد النساء.. فجاءت النكتة أيضا عن حلوى المولد لكنها هذه المرة عن حصان المولد والفارس الذى يمتطيه.
وهذه النكتة أكتبها ولا أخفيها كسابقتها كنوع من أنواع "فش" غل النساء فينا نحن الرجال.. تقول النكتة: بكام حصان المولد ده؟.. بـ500 جنيه.. طب مفيش واحد المدام خلعته وبهدلته وجرجرته فى المحاكم ويكون مش نظيف فى نفسه بـ 20 جنيه؟!
هذه الدائرة يجب أن تتوقف.. صراحة ليس دمنا خفيفا طول الوقت.. ولا نستحق أن نظل نسخر من أنفسنا بهذه الكيفية معظم الوقت.
ورغم ذلك أتذكر وسط كل تلك النكات والسخافات أن الشخص الذى أطلق النكتة عن المرأة المطلقة لم يسمع عن الحكمة التى تقول: "المطلقة أحسن حالا من المتزوجة.. والأرملة أحسن حالا من الاثنتين!".. هل فهم هذا الشخص شيئا؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف