الأهرام
عبد الرحمن سعد
الحق في الرفاهية
حق مشروع لكل إنسان. وقد جعله الله تعالى وسيلة، وغاية: وسيلة إلى الفوز بالجنة، وغاية باعتبار "الجنة" نفسها "قمة الرفاهية"، التي يتطلع إليها جميع البشر، حيث خلود أبدي في النعيم، فلا تعب، ولا نَصَبُ، بل راحة مستمرة، لا تزول، ولا تنقطع.
عن سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ، قال: "شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجْلِسًا وَصَفَ فِيهِ الْجَنَّةَ حَتَّى انْتَهَى، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: "فِيهَا مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ"، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".(السجدة: 17)". (صحيح مسلم).

وقد حدثنا القرآن الكريم عن الرفاهية، حديثا رائعا موصولا في المئات من آياته، ليس فقط في الجنة، وإنما أيضا عن رفاهية الدنيا، وكيف يحصل عليها المرء، أو يستمتع بها، معتبرا إياها "حقا" أوجبه الله له.

وربما كان المقصود بها "زِينَةَ اللَّهِ"، التي طمأننا تعالى إلى أنه أخرجها لعباده، فقال: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32)".(الأعراف).

قال مفسرون: "المعنى: قل يا أيها الرسول، لهؤلاء المشركين الجهلة: مَن الذي حرم عليكم اللباس الحسن الذي جعله الله تعالى زينة لكم؟ ومَن الذي حرَّم عليكم التمتع بالحلال الطيب من رزق الله؟ قل: إنَّ ما أحله الله من الملابس والطيبات من المطاعم والمشارب.. حق للذين آمنوا في الحياة الدنيا، يشاركهم فيها غيرهم، لكنها خالصة لهم، دون غيرهم، يوم القيامة، كما أنها خالصة من كل كدر أو مضرة".

وأضافوا أن: "الزينة، هنا، تتناول جميع أنواع الزينة، ويدخل تحتها تنظيف البدن من سائر الوجوه، والمركوب، وأنواع الحلي.. إلخ، بينما يدخل تحت "الطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ"، كل ما يُستلذ، ويُشتهى من المأكولات، والمشروبات، والملابس، والطيب".

وأردفوا أن مقتضى الآية هو أن كل ما تزين الإنسان به، وجب أن يكون حلالًا، وكذلك كل ما يُستطاب، وجب أن يكون حلالًا. فهذه الآية تقتضي حلَّ كل المنافع، وهذا أصل مُعتبر في الشريعة، لأن كل واقعة تقع، إما أن يكون النفع فيها خالصًا، أو راجحًا أو الضرر يكون خالصًا أو راجحًا، أو يتساوى الضرر والنفع، أو يرتفعا.

وفي القسمين الأخيرين، توجب الحكم ببقاء ما كان على ما كان. ومن هنا يصح القول: "إن القرآن واف ببيان جميع الوقائع".

والأمر هكذا، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ: "إذَا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَوْسِعُوا". وقال أبو العالية: "كان المسلمون إذا تزاوروا تجمَّلوا".

إن الإسلام عندما دعا الأغنياء إلى الوفاء للفقراء بحقهم في أموالهم، إنما كان يعملُ على تحقيق "مجتمع الرفاهية" للجميع، باعتبار أن البشر، كافةً، ينشدون الرفاهية، التي تأتي في أشكال مختلفة كالرعاية الصحية والإسكان، ووفرة السلع، والخدمات، والاستمتاع بالحقوق المختلفة كحق العمل، والتملك، والحرية الشخصية، والشعور بالرضا، والترفيه، والسعادة المادية والمعنوية، وحرية الاعتقاد والفكر، وسائر أشكال المتعة، ليس حسيا ولا نفسيا فقط، التي أحلَّها الله.

من هنا اعتمد مؤشر الرفاهية، طبقا لتصنيف التقدم الاجتماعي العالمي، على ثلاثة معايير أساسية أولها: توفر الحاجات الضرورية، كالرعاية الصحية، والصرف الصحي، والسكن. والثاني يتعلق بالازدهار، ومن أهم مقوماته: التعليم، والولوج إلى التكنولوجيا، ومستوى توقعات الناس في حياتهم المهنية. أما المعيار الأخير فيشمل ضمان حقوق الإنسان، والحريات الفردية، ومدى التسامح في المجتمع.

إن توفير هذه الحقوق والواجبات جميعا، هي مسؤولية الفرد والمجتمع معا، ولا سبيل إلى تحققها إلا بالكفاح والعمل والرؤية السليمة وكفاءة استغلال الموارد وعدالة توزيع الناتج والدخل، مع إتاحة الفرصة للثراء المشروع أمام كل صاحب كفاءة وموهبة، وتبوئه المكان المناسب، الذي ترشحه له طاقاته ومواهبه، وعلومه وخبراته.. وكلها معان ومقاصد حثَّ عليها الإسلام، عبر جناحيه: الكتاب، والسنة.

من هنا عرفت البشرية "علم الرفاهية أو اليوثينيا (Euthenics)، الذي "يُعنى بتعزيز الرفاهية البشرية عن طريق تحسين الأحوال المعيشية، وتقديم مجموعة واسعة من الخدمات للفقراء والمجهدين ماليًا، كتوفير فرص العمل، وتجنب الموت جوعًا، وتأمين السكن بالسعر المناسب، ومكافحة التشرد، وكلها أمور تُعد مقاصد أساسية في الإسلام.

نُسب لعلي بن أبي طالب، ولم يثبت، أنه قال: "لو كان الفقر رجلا لقتلته".

وبقي التعريف اللغوي والاصطلاحي للرَّفاهِيَةُ، وتعني (في المعاجم): "رغد العيش، ولينه، وسعته، وبحبوحته. من مصدر الفعل "رَفُهَ". "يَرفُه، رفاهةً ورفاهيةً، فهو رافِه ورفيه".

و"رَفُهَ عَيْشُهُ": اِتَّسَعَ، وأَخْصَبَ، ولاَنَ، وطاب. و"يَعيشُ في رَفاهِيَةٍ": في عَيْشٍ نَعيمٍ، ورَغيدٍ، وسَعَة رِّزْقِ. و"رفُهَ الشَّخصُ": "أصاب نعمة واسعة من الرِّزق".

جعلنا الله، تعالى، من أهل هذا الرزق، والنعيم المقيم، في الدنيا، والآخرة.. آمين.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف