الأهرام
د/ شوقى علام
الأسوة الحسنة
عند طلوع فجر يوم الإثنين الثانى عشر من شهر ربيع الأول فى عام الفيل فى السنة الثالثة والخمسين قبل الهجرة
النبوية الشريفة، الموافق الثانى والعشرين من شهر إبريل عام572 ميلادية وُلِدَ سيد السادات رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وذلك وفق أرجح الأقوال، فعمَّ الكونَ البِشْرُ والسرورُ بمقدمه الشريف الذى جاء فى وقت دقيق من حياة البشر فمثَّل ميلادًا جديدًا للإنسانية وإحياءً للحضارة وفق الأوامر الإلهية والقيم السامية.

نعم لقد جاء النبيُّ صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل حاملا مشاعل العدل والسلام والرحمة والتسامح والصفاء، ومظهر ذلك أقواله وأفعاله وتقريراته وأخلاقه؛ لأن مجامع رسالته الخالدة تلخصت فى خمسة أوصاف سامية، وهى الواردة فى قولِه تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا)»الأحزاب: 45- 46].

ولا ريب أن هذه الإطلالة للأخلاق السنية والتشريعات المحكمة تؤكد سمات القدوة الصالحة وماهية الأسوة الحسنة التى ينبغى سلوكها لمن أراد الصلاح والتقوى ومكارم الأخلاق، سواء فى ذلك الفرد والمجتمع والأمة، وذلك متحقق على وجه معجز فى النبي، صلى الله عليه وسلم، الذى أمر الله تعالى بالتأسى بهديه وسنته فى قوله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].

وتسير هذه الأسوة وتتجلى سمات تلك القدوة وفق الانسجام التام الحاصل بين دائرة الثابت ودائرة المتغير؛ حيث الالتزام بالمناهج وأصول الشرع وقطعياته، وفى الوقت ذاته لا يحصل جمود على المسائل والجزئيات التى تستجد وفق حاجات الناس ومقتضيات كل عصر، حتى نعيش زماننا؛ فالمسلم ابن وقته، وهذه المساحة واسعة جدًّا فى التشريع أثبتها الشرع الشريف وحرَّض العلماء على الاجتهاد فى استخراج أحكامها وفق الضوابط المرعية والمقاصد العليا، اتساقًا مع السنن الكونية القاضية بالتدرج والتطور.

وتتوالى الشواهد الشرعيَّة وتتوارد الوقائع التاريخية على تأسيس هذا المبدأ وتجلية سماته، فإن نظام الحياة الشامل للدين والدنيا الذى أسس نواته النبي، صلى الله عليه وسلم، جاء تأسيسًا متفرِّدًا حكيمًا يسهم مساهمة حقيقية كاملة فى ترشيد مسيرة الإنسانية نحو المدنية والحضارة.

وهذا لم يتحصل لبشر إلا له صلى الله عليه وسلم لما اشتملت عليه حقيقته من شمائل عظيمة وصفات جليلة وسلوكيات حميدة، وهى ثابتة فى العيان ومتفق عليها بين الناس، فضلا عن ورودها فى الكتب السماوية، فعن عطاء بن يسار، قال: لقيت عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما، فقلت: أخبرنى عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى التوراة، فقال: أجل، والله إنه لموصوف فى التوراة بصفته فى القرآن: يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين، وأنت عبدى ورسولي، سميتك المتوكل، لست بفظ ولا غليظ، ولا صخاب فى الأسواق ولا يدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، فيفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا»(رواه البخاري).

فما أحوجنا فى هذه الآونة الحرجة من أن نقتدى ونتأسى به صلى الله عليه وسلم فى أخلاقه العظيمة وسنته السنية وسيرته الشريفة، من خلال الالتزام بتعاليم هذا الدين القويم قولًا وفعلًا وسلوكًا مع بذل غاية الجهد فى اتخاذ أسباب الرقى والتقدم حتى يتحقق فينا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد: 7].

فضلا عن بذل الشكر الذى من أعظم أبوابه إظهار السرور والفرح بشتى مظاهره وأساليبه المشروعة، خاصة فى الذكرى العطرة لمولده الشريف صلى الله عليه وسلم؛ لأنه اليوم الذى حصلت فيه نعمةُ الإيجاد، التى هى سبب لحصول كل خير تغتنمه البشرية فى الدنيا والآخرة؛ تحقيقًا لقوله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58]. وكل عام ومصر والعرب والمسلمون بخير.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف