بدأ العام القضائي الجديد في 1/10 بعد صدور الحركة القضائية منقولا الي محكمة استئناف اسيوط بعد ترقيتي رئيسا بمحكمة الاستئناف..
كان دور محكمة الجنايات للدائرة التي شرفت برئاستها هو الأسبوع الأول من الشهر. لم يكن سبق لي العمل بالصعيد طوال الفترة السابقة منذ عينت بالهيئة القضائية. حين وضعت قدمي بقطار الصعيد متوجها الي مدينة أسيوط ومعي زميلي في الدائرة انتابني هاجس الغربة اذ تركت أولادي لاول مرة. ولأني اعتبر نفسي من ذوي الحظ الحسن لتركز عملي بمدينة طنطا حيث أقيم فترة طويلة حين كان التوطن بالنسبة لعضو الهيئة القضائية مسموحا به والفترات الاخري ما بين القاهرة أو شبين الكوم.. لا أخفي أنني كنت متوترا بعض الشئ ومتهيبا الاقامة في الاستراحة اذ انه لم يسبق لي أن اقمت باستراحات المحاكم قبل ذلك.
الواقع الذي أدركته - فيما بعد - ان العمل في الصعيد له جماله وقيمته حيث الناس هناك يحبون القضاء ويحترمون رجاله ولايغضبون من القاضي مهما كان حكمه ووقعه عليهم.
انتظرني حاجب المحكمة والحارس علي رصيف القطار في الميعاد الذي أخبرتهما به سابقا.
اصطحبني وزميلي حاجب الجلسة وحارسها الي مقر الاستراحة وهو مسكن سابق لوكيل وزارة الري به حديقة جميلة علي مساحة فدانين عبارة عن فيلا دورين.. ومطبخ مستقل في الحديقة والخدمة خمس نجوم طباخ وسفرجي ومساعد لهما وعمال نظافة علي قدر من الهمة والنشاط من بينهم رجل تعدي السبعين من عمره. استمر في العمل بعد بعد بلوغه السن القانونية. كان أنشط الجميع. وانظفهم وأكثرهم نظاما.
في صباح اليوم التالي كانت الجلسة بمحكمة الجنايات وأمن الدولة العليا عقدت الجلسة ونادي الحاجب علي الجناية رقم واحد.. المتهم متواجد بالقفص وقف معه محاميه امام المنصة ليطلب من المحكمة السماح بالتأجيل للاطلاع ولمناقشة شهود الاثبات.. حدث نفس الشئ في القضية الثانية والثالثة ولم نستطع في ذلك اليوم الحكم الا في القضايا التي تغيب فيها المتهم.. في اليوم التالي تكرر نفس الشئ وفي اليوم الثالث ايضا فأدركت ومن معي من الزملاء ان السادة المحامين لايريدون الترافع عن موكليهم من المتهمين خشية الغلظة في الاحكام.. لا أدري كيف تسرب اليهم هذا الظن الكاذب.. المحكمة أول عهد لها بالعمل في الصعيد والعمل السابق لي كان بمحكمة جنايات بنها التابعة لمحكمة استئناف طنطا كما ان عضوي الدائرة رقيا حديثا لدرجة مستشار ولم يسبق لهما العمل بمحكمة الجنايات ومعني طلبات التأجيل هذه ان المحكمة لن تتمكن من اتمام عملها بالحكم في الجنايات الصالحة للفصل فيها حضوريا الا بحضور محامي المتهم وترافعه عنه في اليوم الرابع وقبل ان تبدأ الجلسة بالنداء علي الجناية الأولي وجهت خطابي للأساتذة المحامين قائلا ياسادة: المحكمة جاءت لتحقيق العدالة والعدالة مركب لاتسير الا بالهيئة التي تحكم والدفاع الذي يعينها في السير نحو الحق ولابد من سيرها نحو الهدف المنشود وهو تحقيق العدل الذي لن يكون الا بمعاونة الدفاع الذي يضئ الطريق دائما امام المحكمة.. نحن لم نأت من وجه بحري بيدنا سيوف ومقاطع انما جئنا يحدونا العدل ويلبسنا الحق والمحكمة تقدر مسئوليتكم امام موكليكم.. اطمئنوا الاوراق في أيدا أمينة نخشي الله نحن نتقرب الي المولي سبحانه وتعالي بأداء هذا العمل والمتهمون يضعون رقابهم في أيديكم وفي أيدي المحكمة.. ولا أظنكم تعتقدون غير ذلك.. هنا ترافع المحامون واستمر الحال حتي انتهي العام القضائي في اسيوط بعد ان فصلت الدائرة في نوعيات من القضايا المختلفة.