الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لماذا يبيع بعض فقراء مصر أعضاءهم؟
لاشك أن جهاز الرقابة الإدارية قد حقق إنجازاً كبيراً واصطاد صيدا ثمينا بالإيقاع بشبكة تجارة الأعضاء البشرية في مصر والتي تضم أطباء وممرضين وممرضات وموظفين ببعض المستشفيات وسماسرة من المصريين والعرب.. تلك التجارة القبيحة التي جلبت لمصر وشعبها سمعة سيئة وجعلتها تحتل مركزا متقدما في قائمة الدول التي تنتشر فيها تجارة البشر.. المركز الخامس عالميا والأول في منطقة الشرق الأوسط.
ولاشك أن الحماس في إدانة المتاجرين بأعضاء فقراء مصر مطلوب خاصة بعد انتشار هذه التجارة واستهداف إخواننا الخليجيين لبعض الفقراء في مصر وشراء أعضائهم بثمن بخس بمساعدة أطباء بلا ضمير وبلا أخلاق حققوا مكاسب كثيرة من وراء هذه الجريمة.
ولاشك أن الدولة خلال السنوات الماضية كانت غائبة عن ساحة مواجهة مافيا تجارة الأعضاء البشرية وغضت وزارة الصحة الطرف عن تجاوزات مستشفيات خاصة معروفة جيدا لديها كانت تتخذ من هذه التجارة وسيلة لتحقيق أرباح طائلة دون أن تتخذ ضدها وضد العاملين فيها اية اجراءات عقابية.
لكن.. لا ينبغي أن ننشغل بإدانة ومواجهة مافيا تجارة الأعضاء البشرية في مصر من الأطباء والممرضات والسماسرة دون أن نبحث عن إجابة موضوعية مقنعة لسؤال مهم هو: لماذا يقدم بعض الفقراء علي بيع أعضائهم البشرية والسماح باقتطاع جزء من أجسادهم وإعطائه لآخرين ليس علي سبيل التبرع والتضحية لإنقاذ حياة إنسان مريض.. ولكن من أجل الحصول علي المال؟
يجب أن نعترف بكل صراحة بأن الحاجة إلي المال هي التي تدفع بعض المصريين من الرجال والنساء إلي بيع أعضائهم البشرية مما أدي إلي خلق سوق لهذه التجارة يرتاده كثير من المحتاجين.. كما يستغله بعض الأطباء من معدومي الضمير للحصول علي المال أو تحقيق طموحاتهم العلمية والحصول علي الخبرة من جراحات نقل الأعضاء غير المشروعة التي تتم سرا بالعديد من المستشفيات الخاصة.
منذ سنوات نصحني الأطباء بزراعة كبد جديد بدلا من كبدي الذي فقد صلاحيته وأصبح يهدد حياتي وبدأت رحلة البحث عن متبرع من بين أفراد الأسرة.. وفي أحد المستشفيات الكبري اختلي بي أحد الأطباء الشباب وحاول إقناعي بشراء كبد والبعد عن الأسرة ومنحني رقم تليفون موظف بأحد المستشفيات الشهيرة بمنطقة المهندسين بالقاهرة لمساعدتي في الحصول علي شاب مناسب نشتري منه جزءا من كبده.
بعد أيام من الحيرة و التردد اتصلت بالرجل الذي يعمل سمسارا بين البائع والمشتري مقابل عشرة آلاف جنيه لكل حالة وبعد الاطمئنان لي طلب مقابلتي علي مقهي شعبي في منطقة الهرم.. وهنا بدأ الحوار التالي:
** محتاج جزء من كبد شاب سليم يا عم أحمد.
- موجود يا بيه.. وثمنه وصل.
** كم ثمنه يا عم أحمد.
- يا بيه إحنا بنأخذ ستين ألفاً للمتبرع.. وأنا بأخذ عشرة آلاف.. وأنت وذوقك!!
لكن المبلغ كبير.. وقد علمت أن السعر الآن في حدود أربعين ألفا فقط.
- يا بيه دي أكباد تعبانة.. والناس دي بتنصب علي المرضي وتوافق علي سعر بسيط في البداية ثم تستغلهم وتبتزهم قبل إجراء الجراحة.. أما أنا فسعري ثابت ولا أطمع في المريض ولا أبتزه.. وأنا بايع كبد من أسبوع لواحد كويتي بمائة وخمسين ألف جنيه لكن إحنا مصريين و عارفين ظروف بعض!!
** يا عم أحمد.. العلماء قالوا إن البيع والشراء حرام شرعا.. والمباح هو التبرع وتقديم هدية للمتبرع أو مساعدته علي حل مشكلاته وأنا عايز المتبرع أتعرف عليه وأساعده في حل مشكلاته المادية ونبعد عن الفصال علشان ربنا يبارك في العملية وأكون مستريحاً لها نفسيا.
- يا بيه ملكش علاقة بالمتبرع واعتبر فلوسه وفلوسي هدية علشان تكون مستريحاً وربنا يبعد عنا الحرام.. والأزهر أباح هذه العمليات وأباح الحصول علي مقابل مادي ومعنا فتاوي رسمية من الأزهر بكده وممكن نعرضها عليك لكي يطمئن قلبك وذلك بعد الحصول علي المقدم.
** مقدم إيه؟
- عايزين عشرة آلاف جنيه جدية اتفاق علشان نعرض عليك المتبرع ويبدأ الفحوص ولو طلع غير مناسب نجيب غيره.
أقنعته بضرورة رؤية المتبرع أولا قبل أي اتفاق فاتصل هاتفيا وبعد نصف ساعة تقريبا حضر إلي المقهي شاب يبدو عليه الانهاك والادمان والمرض ويحتاج إلي النوم وربما يكون أكثر حاجة مني إلي زرع كبد جديد وطلب طعاما فأعطيته ما يشتري به الطعام وانصرفنا علي وعد باللقاء بعد يومين في نفس المكان.. ولم أعد بعد أن اكتشفت بعض خيوط التجارة القبيحة واستغلال السماسرة لحالات الفقر والضياع لبعض الشباب.
خلاصة هذه القصة أن سماسرة تجارة الأعضاء البشرية في مصر يستغلون حاجة الفقراء للمال كما تفعل مافيا الهجرة غير الشرعية كما تفعل عصابات الهجرة غير الشرعية تماما. وإحدي وسائل مواجهة تجارة الأعضاء البشرية هو توفير وسائل الحياة الكريمة للفقراء وكفالتهم.
والحقيقة المرة أن معظم الذين يبيعون أعضاءهم في مصر يقدمون علي ذلك باختيارهم وحالات سرقة ونهب الأعضاء دون علم أصحابها هي حالات محدودة ولا تمثل ظاهرة.. وقبل أن ندين من يقدم علي بيع عضو من أعضائه ونعتبره مشاركا في هذه الجريمة علينا أن نوفر له حياة كريمة ونحل مشكلاته.
..وللحديث بقية:
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف