الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
دموع العظماء
دموع العظماء عزيزة. غالية. نادرة. وقد تكون الدمعة رحمة. كما قال نبينا "صلي الله عليه وسلم" عندما دمعت عيناه عند وفاة ابنه إبراهيم "عليه السلام". فسأله سيدنا عبدالرحمن بن عوف "رضي الله عنه": وأنت يا رسول الله؟ فقال "صلي الله عليه وسلم": "يا عبدالرحمن إنها رحمة". وإن العين لتدمع وإن القلب ليحزن. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون" ويقول "صلي الله عليه وسلم": عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله. وعين باتت تحرس في سبيل الله. "رواه الترمذي". ومن السبعة الذين يظلهم الله "عز وجل" في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه من الدمع. حيث يقول نبينا "صلي الله عليه وسلم": "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله الامام العادل. وشاب نشأ في عبادة ربه. ورجل قلبه معلق في المساجد. ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه. ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال اني اخاف الله ورجل تصدق أخفي حتي لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه "رواه البخاري".
فإذا تحدثنا عن دنيا الناس نجد دموع العظماء عزيزة ايضا فهذا أبو الطيب المتنبي يعزي سيف الدولة الحمداني في وفاة أمه فيقول:
ومن سر أهل الأرض ثم بكي أسي ..
بكي بعيون سرها وقلوب
أما يوم وفاة سيف الدولة نفسه. فيقول أبوالطيب:
ما كنت آمل قبل نعشك أن أري
رضوي علي أيدي الرجال تسير
ما كنت أحسب قبل دفنك في الثري
أن الكواكب في التراب تغور
وهذا متمم بن نويرة يبكي أخاه مالكا. فيقول:
يقولون تبكي كل قبر رأيته
لقبر ثوي بين اللوي فالدكادك
فقلت له إن الأسي يبعث الأسي
فدعني فهذا كله قبر مالك
وهذا حافظ إبراهيم يقول في رثاء مصطفي كامل:
أيا قبر هذا الضيف آمال أمة
فكبر وهلل وإلق ضيفك جاثيا
ويقول في رثاء الامام محمد عبده:
سلام علي الإسلام بعد محمد
سلام علي أيامه النضرات
علي الدين والدنيا علي العلم والحجا
علي البر والتقوي علي الحسنات
لقد كنت أخشي عادي الموت قبله
فأصبحت أخشي أن تطول حياتي
ويقول عبده بن الطبيب في رثاء قيس بن عاصم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من أوليته منك نعمة..إذا زار عن شخط بلادك سلما
فما كان قيس هلكه هلك واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وهذا سيدنا حسان بن ثابت يقول في رثاء سيدنا رسول الله "صلي الله عليه وسلم":
كنت السواد لناظري فعمي عليك الناظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت أحاذر
ويقول:
ما بال عينك لا تنام كأنما .. كحلت ما فيها بكحل الارمد
جزعاً علي المهدي أصبح ثاوياً
يا خير من وطيء الحصي لا تبعد
جنبي يقيك الترب لهفي ليتني..غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته
يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلداً
يالهف نفسي ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم؟
يا ليتني صبحت سم الأسود
والوقفة التي اقفها هنا والتي يجب ان يقف عندها كل متأمل. هي ماذا فعل الإنسان للناس؟ وماذا قدم لهم ولنفسه من الخير؟ وما أثره ودوره في أمر دينهم ودنياهم؟ فما يقدم الإنسان من الخير وصالح العمل يجده في الدنيا رحمة وتعاطفا ومشاركة وجدانية. وهذا معني قول المتنبي:
ومن سر أهل الأرض ثم بكي أسي
بكي بعيون سرها وقلوب
بما يوفاه عند ربه الجزاء الأوفي
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف