الأخبار
يسرى الجندى
خاطرة .. الكلام.. وآخره
كلام كلام.. وما أكثر الكلام هذه الأيام.. لكن السؤال ماذا يفرق بين الكلام الجد »وأي كلام»‬ ـ بداية وعن جد »‬كما يقول الشوام» لا لبس ولا التواء في أمر القوة الناعمةـ حين كنا نملكها بحق ـ وأميل إلي تحديد أولوياتها بالتعليم والثقافة والإعلام ـ كانت لنا الريادة في تلك المنطقة والاسم والمهابة وسط العالمين.. يلي ذلك أو يرتبط به انها القوة الدافعة في الداخل للتغيير أو القاطرة ـ كما يراها بعض المتكلمين ـ والحق أن البعض يراها عُمُدا تهدمت أو آيلة للسقوط. والبعض لا يري في الأمر إلا بعض الهبوط »‬طوبتين وشوية أسمنت وكله يبقي تمام» لكن الأمر جلل!
ولنحتكم إلي العقل والواقع والتاريخ حتي لو كانت وسيلتي أيضا بالكلام!
ـ نشأت في حضن مصر حركة التنوير ـ بعد نعاس عربي طويل في ظل بني عثمان ـ وكان لهذه الحركة رجالا .. ونساء أيضاـ سيظلون.. ملء السمع والذاكرة حيث قامت علي أكتافهم الصحافة فأضاءت والتعليم فأثمر والثقافة فأزهرت.. أما الصحافة فامتد تأثيرها إلي كل الوطن العربي.. وحين واكب مصر في البدايات أبناء من الشام.. لم تتطور وتنضج تجربتهم إلا في أعطاف بني مصر.. ومنهم من صار صاحب مؤسسة كبري كالهلال والأهرام.. وإن انتهي ذلك في ظل متغيرات جمة إلي متغيرات كبيرة تواجه الصحافة الورقية بالذات ـ بظهور الصحافة الإلكترونية ـ ضمن ما يسمي بوسائل الاتصال الجماهيرية ـ رغم أن ظهور السينما مثلا لم يهدد المسرح كما تصور البعض وقتها لأن المسرح في العالم طور من أدواته ولغته الفنية حتي امتد التطوير إلي تقديم التراث من سوفكليس وحتي شكسبير وما بعدهما ـ علي نحو جديد ومتنوع فبقي المسرح وتأكد دوره واختلافه.
أما الصحافة الورقية لدينا فلم تطور نفسها بقدر هذا التحدي أو تحتوه بشكل صحيح بل غلب عليها جمود المحتوي وكأنها ترتاد بئرا واحدة فصارت متشابهة فيما تقدم إلي حد كبير فضعفت مصداقيتها وضاقت آفاقها وتنوع توجهاتها.. وكان لتدخل الدولة ومشكلة الرأي الواحد والمطبلين رغم ما كفله الدستور من حرية التعبير.. أضاف إلي ذلك المشكلة الاقتصادية والدولار وتأثيرهما علي الورق وتقلص التوزيع بشكل مقلق جدا، مع العبء المالي للصحف والمجلات القومية.
ـ أما التعليم بدءا من محو الأمية إلي كل مراحل التعليم وحتي البحث العلمي.. فبعد تألقه وتألق دوره في المنطقة العربية، حتي في البحث العلمي المتقدم ـ ولا أشير إلي »‬الدكتور مشرفة» فقط، بل ما قبل ذلك وبالذات »‬الشيخ حسن العطار» مع الحملة الفرنسية و»‬رفاعة الطهطاوي» مع محمد علي.. وما جاءت به ثورتا ١٩١٩ و١٩٥٢..
لكن ها نحن خلال العقود الأخيرة نعيش أسوأ مراحل التعليم حيث توالي عليها الكثير من الوزراء لتسير من سييء إلي أسوأ رغم كل الوعود بالتطوير.. ثم انفتحت أمامنا أبواب جهنم مع التعليم الخاص والدولي حتي المرحلة الجامعية مما أسهم في زيادة الشُّقة داخل المجتمع المصري بأكثر من ثقافة.. بل وأكثر من مصر.. دون أن تتوقف الشعارات والوعود.
ـ أما الثقافة ـ وهي مرتبطة ولاشك بما سبق ذكره ـ فمهما طعن الطاعنون في التجربة الناصرية ـ إلا أن أحدا لا ينكر ـ إن أنصف ـ ما جاءت به كامتداد للنهوض الفكري ـ والثقافي والفني ـ لثورة ١٩١٩.. وقد اتخذت للمرة الأولي شكل مؤسسات فاعلة علي يد»‬ الدكتور ثروت عكاشة» مثلما حدث في مجالات أخري، ظلت المؤسسات الثقافية تجد امتدادا رغم تعاقب العهود عليها.. لكن الشكل المؤسسي للثقافة تحول من إنجاز ثقافي لصالح الأغلبية ليصير وبالا عليها ووزرا من أوزار التراجع الثقافي وانعكاسه علي الواقع العام كله.
ـ ولاشك أن هناك من يحسب له اجتهادات مثل ما حققه الكاتب المسرحي »‬سعد الدين وهبه» في الثقافة الجماهيرية وسبقه بدرجة ما »‬سعد كامل» كذلك تجربة »‬فاروق حسني» في وزارة الثقافة وإن كان ما حققه قد جاء وفق توجهه الفني والفكري وليس وفق احتياجات الواقع المصري النامي.. وإن كنت أحترم اتساقه مع نفسه خلال مرحلته الطويلة رغم معارضتي.
ـ المهم أننا لا نجد بعد ذلك من جاء لتصحيح مسار الثقافة جذريا أو حتي الوعي بخطورة دوره وحاول.. حتي أننا نجد مثقفاً كبيراً مثل الدكتور جابر عصفور جاء إلي الوزارة مرتين ـ وأظن أنه كان بوسعه شيءـ ولكن أشياء جمَّة جعلته مغلول اليدين ـ حتي مضي كما جاء.. لينصرف لما له شأن بكتاباته كمفكر مصري وتلميذ مخلص لرموز التنوير.. وكفي الله المؤمنين شر القتال!
ـ ولو أن الأمور اقتصرت علي أن تصل إلي حد الجمود وحسب، لحمدنا الله الذي لا يُحمد علي مكروه سواه لكن الصورة ساءت مع توالي تراجع الأداء الحكومي وعدم الوضوح وضراوة معركتنا مع الإرهاب في ظل هيمنة التعدد الفكري الذي يدعمه بعض أعضاء البرلمان.. كل هذا فرض وضعا استثنائيا لدور ومسئولية من يتولي أمر الثقافة.. وهو ما يدعو إلي سياسة واضحة فاعلة تحتم الإفلات من حال التراجع في الأداء وتحتم حالة من إيقاظ الضمير الوطني.. ومثلا إذا كان الجيش المصري يقاوم بقوة الإرهابيين ويضحي فإن علي الثقافة أن تحارب بنفس القوة الفكر الإرهابي.. لأن في هذا المقتل الحقيقي للإرهاب والإرهابيين!
و عند هذه المسألة بالذات نسأل: أين دور وزارة الثقافة من هذا؟ وما هو دور مؤسساتها العديدة وهي مسئولة من السيد الوزير؟ لا نجد سوي احتفالات لا تنتهي بما لا طائل وراءه »‬وناس كتير بتتصور» وتصريحات مراوغة لا تشي بإرادة فعل أو سياسة لفعل.
وإذا كان للوزارة دور تجاه المثقفين فأظنه تهيئة المناخ أمامهم لاستنهاض إرادتهم تجاه قضايا كتلك وتجاه تراجع الإبداع نفسه في مناخ معاد له.. يشجع علي اللامبالاة والتسطيح والتفاهة!
واللهم اجعل كلامنا خفيفا ومشجعا علي تغيير حقيقي في واحدة من أهم عُمُد القوة الناعمة.. وللتعليم حديث آخر.
هوامش:
ـ زيادة الرسوم الجمركية علي السلع الاستفزازية مؤشر جيد وسليم.. لكن أسأل لم رفع الرسوم الجمركية كاملة عن استيراد الدواجن؟.. هذا أمر عجيب! يحتاج لمناقشة عاجلة لأنه الأكثر استفزازا في ملحمة الفساد إن ثبت انه من تجلياتها.
ـ أيها القائمون علي القرار والتشريع.. تريثوا قليلا عند النظر في قانون الايجارات.. انظروا بعين العدالة العاقلة والأمان الاجتماعي.. تحاشوا المزيد من الاحتقان.. يرحمنا ويرحمكم الله.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف