الوفد
عباس الطرابيلى
هموم مصرية .. شعب.. بطاقات بصحيح!
مع تصاعد الأزمات التموينية.. لا أستبعد أن يأكل المصري بالبطاقة.. ويشرب بالبطاقة.. بل ويعالج بالبطاقة.. وربما يتزوج أيضًا بالبطاقة.
والبطاقة هنا هي بطاقة التموين التي يراها معظم المصريين أهم من بطاقة الرقم القومي.. إذ إن حياته أصبحت ـ من جديد ـ مرتبطة ببطاقة التموين هذه.. وإذا كانت البطاقة يحصل بها المصري الآن على السلع الأساسية من أرز وسكر وزيت وشاي ومكرونة.. فإنها ضرورية للغاية ليحصل أيضًا علي الخبز.. وربما نستخدمها قريبًا وسريعًا للحصول على الوقود.. يعني أنبوبة البوتاجاز. والدقيق. واللحم الأحمر.. والفراخ.. وأيضًا كيلو السمك المجمد.
<< وليس هذا بعيدًا.. وقد سبق أن عاش المصريون علي خير هذه البطاقة في العصر الناصري عندما كانت هي وسيلة حصوله على ما يحتاج من كوبونات الجاز. إلى صابونة الغسيل. وطبق البيض. وعلبة السمن الهولندي. وأيضًا القطن اللازم للتنجيد. بل وكام متر من الدبلان والدمور والكستور.. وأيضًا البطانية الصيني الرخيصة.. وحجارة البطاريات لزوم الراديو الترانزيستور!! وفي ذلك العصر الناصري كانت بطاقة التموين هي أغلى ما يملك المواطن ويحرص عليها.. فإذا عز فول التدميس.. أضفناه على هذه البطاقة.. وإذا قل المعروض من العدس.. لحق بالفول وأصبحت له خانة في البطاقة.. وتقبل المصري ـ في ذلك العصر ـ أن يصير عبدًا للبطاقة.. بل ويقبل أي مستوى من السلع التي تتكرم بها الدولة من أرز مكسر.. أو شاي هو تراب مزارع ومصانع الشاي الأسوأ في العالم.. والفراخ المستوردة التي اقترب موعد انتهاء صلاحيتها.. وكم شهدت الجمعيات الاستهلاكية صراعًا داميًا من أجل الحصول علي علبة سمن هولندي.. جاءت لمصر هدية ولكن الحكومة كانت تبيعها للناس وكذلك اللبن البودرة والجبن الفلمنك رغم أنها كانت هدية من الدول التي ترأف بحالنا!!
<< ولقد عرفت مصر وزارة التموين، وبالتالي بطاقة التموين يوم 27 يونية 1940، في حكومة حسن صبري باشا. وكان أول وزير للتموين هو صليب سامي بك. ثم عبدالمجيد ابراهيم صالح في حكومة حسين سري الأولي في 15 نوفمبر 1940، أي بعد شهور قليلة من اشتعال الحرب العالمية الثانية وخشيت مصر من تأثيرها على الشعب المصري.. وبذلك عرفت مصر هذه البطاقات.. ونقلتها كالعادة عن بريطانيا التي حددت ما يحصل عليه المواطن البريطاني حتي من البيض وقطع السكر.. وظل هذا النظام ساريًا في بريطانيا إلى ما بعد انتهاء هذه الحرب بقليل..
أما نحن في مصر فأصبحت هذه البطاقة هي السيد المطاع ولذلك عرفنا البقال التمويني. ومفتشي التموين، بل وشرطة التموين..
<< ترى ، هل ونحن نعاني الآن من أعباء تزايد الواردات وانخفاض الانتاج هل ندخل عصرًا تعود فيه البطاقة لتصبح هي السيد المطاع من جديد ولو من خلال مسميات جديدة مثل الكروت الذكية أو كروت الخبز المدعم؟
أتوقع ذلك.. ولكن ماذا عمن لا يمتلك هذه البطاقة السحرية الآن وهل يندم على تنازله عن هذه البطاقة.. وكيف يحصل من لا يملكها على احتياجات أسرته..
<< أم ليس أمامه الا الشراء بالأسعار الغالية.. أو الخضوع للسوق السوداء. وكلكم تعانون من جشع التجار وسطوة هذه السوق..
أقول لكم: تبرعوا لمن لا يحمل بطاقة تموين، حتى لا يموت جوعًا!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف