المصريون
د. حسام عقل
مفيد فوزي .. وعقدة الشعراوي !
العلماء الربانيون المتحققون بالعلم الشرعي الصحيح , كانوا دوما ً _ و مازالوا _ صمام أمان لأية أمة تبحث لذاتها عن موقع مهيب تحت الشمس , و دون حضورهم التوعوي الضابط للمسيرة ببوصلة القدوة الأخلاقية و التوجيه و شيء من كبح جماح الغرائز الإنسانية , يمكننا أن نتوقع الانفلات الفوضوي و التصادم الدامي و تحول الشوارع و المشاهد العربية إلى حلبة رديئة لمصارعة الثيران التي لا تفكر إلا في النطح و التدافع و إزاحة الخصم من الطريق _ أو حتى إزاحة الصديق _ بالقهر و السحل الدموي و التصادم الغوغائي الذي لا يبقي رمزا ً و لا يحترم خلقا ً و لا ينزل على كلمة حكمة أو صوت عقل أو حتى جرس إنذار خافت ! و قد رأينا هذا الانفلات الفوضوي الشامل , المغذى بوقود السياسة الأنانية المتهوسة بالاحتفاظ بكرسي الحكم _ بأي ثمن ! _ في عدد كبير من الحواضر العربية التي باتت أنقاضا ً تثير المراثي و الدموع ( كما في حالات بغداد و صنعاء و طرابلس و دمشق ! ) أو يلاحقها _ بإصرار _ شبح الأنقاض و الانفجار الضخم ( القاهرة و الرياض و الخرطوم ! ) و القاسم المشترك في معظم هذه الحالات هو الإمعان , من قبل الميديا و الخطاب السياسي العام المعتمد _ في ضرب هيبة الرموز و نزع التوقير عن هامات العلماء و التنكيل بعمائمهم في قارعة الطريق في مشاهد إذلال سادية مريضة , في إطار كرنفال استباحة , لا هدف له إلا فتح الطريق أمام موجات التدافع الشعبي الغوغائي لافتراس أية قيمة أخلاقية بحثا ً عن ضرورات الغريزة _ وحدها _ مأكلا ً و مشربا ً و جنسا ً ! و عندما أقول ( العلماء ) _ في هذا السياق _ فلا أعني سوى ( العلماء ) المتثبتين بالعلم الصحيح و المتسلحين بالنص المتواتر و المحتفظين بأسلحة الاجتهاد الصحيح المستنير و البعيدين , في مسلكهم الشخصي _ ما أمكن _ عن الخسة الأخلاقية أو التربح بالعلم و الفتوى أو خديعة البسطاء أو حرق البخور المنتن للسلاطين و القيادات , و لو كان الثمن أن تتدحرج البلاد أو الشعوب إلى الهاوية ! حين يغيب العلماء الكبار _ أو يغيبون _ بعمد و بقصد مكشوف _ و تنفتح الطرق الممهدة أمام البلاطجة و الشبيحة و أشباه الأميين و فاقدو البصيرة أو الرؤية أو الفكر , ليصنع هؤلاء صورة المرحلة و ملامحها , فإن الوطن يصبح بالفعل ( ماخورا ً ) كبيرا ً تحركه الغريزة الفردية الغبية وحدها , و يداس فيه الشرفاء حتى تطمس كعوب الأحذية الثقيلة ملامح وجوههم ! و لا أفهم _ هنا _ تطاولات الإعلامي الخارج من كهوف ( مبارك ) : ( مفيد فوزي ) , على الراحل العالم الرباني الكبير ( محمد متولي الشعرواي ) ( 1911 _ 1998 ) , إلا في هذا الإطار الشامل ! و قد أفهم أن تشن الحملات الناشطة الإعلامية و التربوية , ضد رموز التطرف و فتاوى الاستباحة و العشوائيات الفكرية النابتة في المستنقعات , و قد أفهم أن يطارد أصحاب الفتاوى الغوغائية الجاهلة التي لا تستند إلى أسس الاجتهاد الصحيح حتى الحدود ! و لكن ما مغزى شن هجوم على حصون الاعتدال و الفكر الإسلامي الوسطي , و ما الحكمة الظاهرة _ أو حتى الخفية ! _ في تركيز القصف , بهذه الغوغائية و بهذا الحقد الأسود الموتور , على الأزهر ؟! و ما معنى أن تزاح رمزية الأزهر الآن أو رمزية الشعراوي _ التي مازالت أصداؤها باقية في الضمير الشعبي _ سوى أن ننتقل , بمتوالية عددية مخيفة من(الوطن / الرمز) الذي نريده , إلى ( الوطن / الماخور) الذي يسوده الترامادول و الجريمة , حيث يبقر فيه الأشقياء بطون الناس في عز النهار بضحكات هسترية معربدة لا ترعى دينا ً و لا يكبحها ضمير إيماني , و لا تردها عن حماقتها فضيلة أو عالم يتحدث باسم الفضيلة ؟! وضع ( الشعراوي ) , في سياق واحد مع كلمة ( التحريض ) , جريمة أخلاقية و تربوية ووطنية كبرى كما تم في حوار ( صدى البلد ) بين ( حمدي رزق ) و ( مفيد فوزي ) . و اتهام ابن دقادوس , الذي أحبه الجميع _ بمختلف الأطياف و التوجهات _ بأنه مهد السبيل ل ( الفكر المتطرف ) , مجرد ثرثرة فارغة لا يحركها سوى الضمير المتبلد , و الرغبة النزقة الشريرة في صرف أنظار الرأي العام عن إخفاق المرحلة و فشلها الموجع , بافتعال قضية كرتونية تستقطب الاهتمام بعيدا ً عن بؤرة الوجع الأصلي غير المفتعل ! و لو كان الثمن رأس الشعراوي أو المراغي أو محمود شلتوت أو محمد أبو زهرة أو مصطفى محمود .. أو حتى الإسلام نفسه ! و بوضوح أقول إن الاحتماء بيتامى التنظيم الطليعي في مصر , الذين مازالوا باقين في صناعة المشهد و تكييفه و تلوين صورته , كارثة كبرى لن تحمي المرحلة من سقوط مؤكد , و لن تقدم أية أدوية ناجعة أو فعالة ! كما أن إقامة حفلات الاستباحة المعربدة للعلماء الكبار , لن يكون له من نتيجة سوى فتح الطريق أمام دوائر الاستباحة و الوجع و الدم و شطر الأوطان إلى شتات و فتافيت و قطع متناثرة , لا تعرف معنى الاستقرار أو الاستمرار ! يا سيد ( مفيد فوزي ) لقد حرحكك في حوارك الأحدث مع ( صدى البلد ) , روح ( الخبطة الصحفية ) اللافتة للأنظار , و لم تحركك روح الحرص المسئول على تماسك لحمة الوطن و بقاء كيانه الاعتباري أو الشكل الوجداني للدولة ! و تصورت أو ظننت _ و بعض الظن إثم _ أن الرأي العام في مصر قد تم إخصاؤه تماما ً و أن الإجهاز على ( الشعراوي ) رمز الاعتدال , يمكن أن يحصل دون فواتير أو خسائر , ففوجئت بحجم ردة الفعل , التي تؤكد _ في الجوهر _ أن الضمير الشعبي مازال يوقر العلماء , و لو في أضعف الصور . و للحديث بقية .

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف