المصريون
انجى مصطفى
الشدة السيساوية
يعلم محبو التاريخ أن مصر قد مرت بالعديد من المجاعات و السنوات العجاف ابتداءا من عهد رمسيس الثاني و حكم الهكسوس مرورا بالشدة المستنصرية وصولا إلى الشدة السيساوية التي يعاني منها المصريون الآن و الشدة المستنصرية ، هو مصطلح أطلق تيمنا بحاكم مصر الفاطمي "المستنصر بالله "و الذي استمر حكمه قرابه الستين عاما ، حكم خلالهم مصر بالحديد و النار ، إلا ان ذلك لم يشفع له في بث الأمن و الأمان ، بعد أن عانى الناس من مجاعة باطشة ، فهجروا بيوتهم و انطلقوا يصطادون بعضهم البعض لغرض الأكل ، و لم تسلم القطط و الكلاب و حتى الجيف من أن يكونوا مصادر غذائية لمائدتهم . و ارتفع الأسعار في مصر حتى أصبح الغلاء فاحشا ، لدرجة أن ثمن البيضة كان يعادل عشر قراريط ، و باع الناس ممتلكاتهم مقابل الدقيق بل و مقابل الكلاب التي وصل سعرها إلى خمسة دنانير ! وكما ترى عزيزي القارئ أن الظروف التي تمر بها مصر الآن مشابهة إلى حد كبير مع الشدة المستنصرية مع اختلاف الأسباب ، ففي الأخيرة كان السبب الرئيس في المجاعة هو انحسار مياه النيل و جفافه ، و رغم ان المصريين مقبلون على الأمر ذاته قريبا ، إلا أن المجاعة بدأت مبكرا و قبل جفاف النيل ، بسبب الاجراءات الاقتصادية التي فرضها صندوق النقد الدولي على مصر . و التي أدت إلى فحش الأسعار و بيع لحوم الحمير علنا بعد أن كانت تدار في الخفاء ، بل و خروج المسئولون و الأطباء يستحسنون الفعل القبيح في أعين الناس ، كما حدث أيام الشدة المستنصرية ، حيث لم يجد الناس حرجا في بيع لحوم القطط و الكلاب و اتخذوها تجارة ، بعد أن لبوا نداء الجوع الذي كان أقوى من أي اعتبارات انسانية أو أخلاقية أو حتى دينية . و اصطياد المارة في الشوارع بالكلاليب من أسطح العمارات لا يختلف كثيرا عن تجارة الأعضاء محل مقالي اليوم ، فما كانوا يأكلونه في الأمس أصبح مرغوبا به اليوم ، و يوفر لصاحبه وفرة من الأموال في غياب من الانسانية و في ظل حضور قوي للفقر و البؤس ، بعد أن بدأ الميسورون في تذوق الفقر و قلة الحيلة ، في حين أخذت جينات الفقراء في التغير لما يشبه البشر شكلا و الذئب روحا ، فأخذوا يقتنصون أي فرصة للسرقة أو للقتل بغرض السرقة أو سرقة الأعضاء البشرية ، التي تشتهر بالرواج في أوقات فقر الشعوب . و مصر كأحد أكبر الدول المصدرة للأعضاء البشرية ، لم يعجز مروجوها عن اللجوء للحيل المختلفة لاقتناص الفرص ، ففيما لجأ بعض سماسرة الأعضاء لحيلة ترغيب الفقراء في السفر على أمل الحصول على حياة أفضل ، بشرط اجراء فحص طبي و من ثم اجراء أي عمليات وهمية بأي حجج مختلفة كشرط للسفر ، ثم سرقة أعضاؤهم ، لجأ آخرون إلى حيل أكثر قذارة كدعس المارة في الشوارع ثم اقتيادهم إلى مستشفى متفق عليه ، يقومون فيه بسرقة أعضاؤه ، فيما تفقت أذهن الآخرين عن حيل لا تخطر على بال أحد كالمصعد السحري الذي يقود إلى سرداب خفي و التركيز على المهاجرين الأفارقة وغيرها الكثير . و قد اعترفت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها ، ان عشرة بالمئة من عمليات زرع الأعضاء بالعالم غير قانونية ، أي أن هناك أعضاء تباع في السوق العالمي السوداء بدون موافقة أصحابها ! و هناك مستشفيات في مصر تجري عمليات زرع الأعضاء بدون التأكد من المصدر ، رغم صدور قانون ينظم زرع الأعضاء البشرية، و التبرع بهذه الأعضاء،و تبلغ أرباح العملية الواحدة حوالي 100 ألف دولار ، فيما يتحصل المانح او المتبرع على ما قيمته 40 ألف جنيه فقط و كشفت المصادفة الأخيرة التي أدت إلى ضبط شبكة لتجارة الأعضاء البشرية، قيام أربعة متهمين، بالاشتراك مع آخرين، بتكوين "تشكيل عصابي يستقطب المواطنين للتبرع بأعضائهم البشرية، مقابل مبالغ مالية ، و التي تتم بمعرفة عدد من الأطباء بمستشفيات شهيرة . و يمكننا في النهاية أن نستخلص بدون خطأ كبير أن السبب في كل تلك الجرائم يتلخص في ثلاث نقاط : الأولى و هو العوز البشري لما يبقيه حيا بأي شكل ، و الثاني هو تراجع جهود محاربة هذه الظاهرة كما أشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية عن الاتجار بالبشر لعام 2015، و التي وصفت جهود مصر بانها "الأسوأ" عالميا ، و الثالث : هو غياب التشريعات ( الكافية ) لتنظيم عملية التبرع بالأعضاء و التي تسير فيها المملكة العربية السعودية بشكل جيد . فهل كتب علينا أن نعيش الآن ما كان يعيشه أجدادنا في الشدة المستنصرية ؟

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف