رضا محمد طه
فيروسات النينجا المُنقِذة للبشرية
في بداية 1890 كان إيرنست هانكين يدرس تفشي بكتريا الكوليرا علي ضفاف نهر جانجين Ganges بالهند، ونظراً لان السكان المحليين كانوا يلقون بموتاهم بذلك النهر المقدس holy water، لذا سرعان ما تحول النهر الي فيض من الأمراض والذي تحول الي وباء زحف الي المدن والقري المجاورة أسفل الوادي، لاحظ هانكين وجود شيء ما غامضاً بالماء يقتل البكتريا ومن ثم يقضي علي المرض بسرعة بحيث لا يعطيها الوقت الكافي كي تعيث في الماء والناس محدثة دماراً ومخلفة ضحايا بالألاف، لكن كان علي هانكين أن ينتظر عشرون عاماً آخرون حتي يقترح عالم فرنسي وجود ملاك حارس ومنقذ للناس وهو لاقم البكتريا "البكتريوفاج Bacteriophage" وهي فيروسات تتكون فقط من حامض نووي وبروتين ورغم أنه غاية في الضآلة إلا أنه إستطاع أن يقضي علي بكتريا الكوليرا بالماء في مصادرها وبدون أدني ضرر منه للإنسان، لذا فإن بعض الباحثين قد أطلقوا عليها "فيروسات النينجا" والتي قد تكون علي أهبة الإستعداد في ي وقت لإنقاذ حياة الملايين بما تملكه من قوة فتاكة للبكتريا الضارة للإنسان. مع بداية حقبة المضادات الحيوية بإكتشاف البنسلين، أُنقذت حياة الملايين من موت محقق بسبب الإصابات البكتيرية، مما جعل إستخدامها ضرورة لامهرب منها في كل أنحاء العالم، إلا أن الإفراط في إستخدامها نتج عنه سلالات بكتيرية مقاومة لتلك المضادات الحيوية مثلت خطورة وتهديد علي حياة الملايين، وإن كان عدد ذلك النوع المقاوم للمضادات الحيوية قد وصل لمئات الآلاف، إلا انه بحلول 2050 سوف يصل إلي عشرة ملايين تقريباً حسب تقدير العلماء، وبالتالي سوف يهدد حياة الناس خاصة الأطفال وكبار السن ضعيفي المناعة وذلك عند تعرضهم للجروح أو الحروق أو لعمليات جراحية نظراً لسهولة تلوثهم بهذا النوع من البكتريا المقاومة للمضادات والقاتلة لهم. وبما أن المضادات الحيوية غير متخصصة في الغالب في تأثيرها عند إستخدامها لمقاومة البكتريا داخل جسم الإنسان، لذا فإنها لا تفرق بين البكتريا الصديقة-المفيدة له-أوالضارة بما يشبه تأثير القنبلة الذرية التي تدمر أي شيء ولا تمييز في فعلها، ولتجنب الرؤية القاتمة للمستقبل من ناحية التأثير المُهلك للإنسان جراء البكتريا المقاومة للمضادات الحيوية، لذا إجمتمع وفكر بعض الباحثين خلال الندوة التي تمت في سيدني بإستراليا 15 نوفمبر 2016 وكان عنوانها "أفكار ستغير العالم World Changing Ideas Sydney "، فكانت الافكار التي طرحت خارج الصندوق-متطرفة حيث تبني ما يسمي "داوني بالتي كانت هي الداء" بمعني التفكير في إستخدام البكتريوفاجات في القضاء علي البكتريا والتي لخصت تلك الفكرة الباحثة "هيندريكسون" من جامعة ماسي بأوكلاند-نيوزيلاند وذلك في مجلة "بي بي سي فيوتشر BBC Future ". وبما أن جسم الإنسان يحتوي المليارات من أنواع البكتريا المختلفة والتي أغلبها غير ضار للإنسان، بل مفيد له حيث تمد الجسم بعناصر وفيتامينات وتساعد في عملية الهضم وصحة الإنسان، يصاحب هذا العدد الهائل من البكتريا بجسم الإنسان عدد أكبر من الفاجات بحيث تكون النسبة عشرة فاجات لكل خلية بكتريا، تلك الفاجات تلعب دور أساسياً في الحفاظ علي التوازن والثبات بين أنواع البكتريا بما يخدم صالح الإنسان، مثلاً تقوم الفاجات التي تملأ أنوفنا بقتل البكتريا الموجودة بالهواء والتي تدخل الي الانف خلال عملية التنفس العادي وبذلك تحمينا من مخاطر الانواع الممرضة، ولكي تتخيل العدد المهول للفاجات، فلك أن تتخيل أن الجرام الواحد من التربة به فاجات يفوق عددها كل البشر الموجودين علي الكرة الأرضية. عن طريق إستخدام التحاليل الجزيئية والبصمة الوراثية يسعي الباحثون لعزل وتعريف الفاجات سواء الموجودة في الإنسان أو التربة وغيرها من المصادر لعمل مكتبة تحوي المعلومات الكافية عن انواع الفاجات المختلفة وخصائصها كي يتم الإستفادة منها في العلاج والقضاء علي البكتريا الممرضة للإنسان، وذلك النظام في العلاج يُستخدم منذ وقت بعيد في بلدان شرق أوربا مثل روسيا وجورجيا وبولندا، لكن يخشي العلماء من الآثار السلبية لهذا النظام العلاجي حيث أنه قد ينتج عنه تفاعلات حساسية بسبب بروتين الفاج حين دخوله جسمالإنسان لأنه يمثل جسم غريب. في الغرب الأوربي يقوم العلماء بخطوات حثيثة لإستخدام هذا الإسلوب في العلاج خاصة في الحالات المستعصية مثل حالة لرجل يدعي "ألفريد جيرتلر" والتي ذكرتها هندريسكون خلال الندوة، حيث جرب هذا الرجل كافة المضادات الحيوية الموجودة كي يعالج جرح شديد تلوث بالبكتريا أصيب به في ساقه أثناء ممارسته رياضة التسلق، وكان السبيل الوحيد أمام الأطباء لعلاجه هو بتر ساقه، إلا أنه وبعد إستخدام الفاج لعلاج البكتريا حيث لم يجد الأطباء المعالجين له حل لمشكلة ألفريد سواه، وبالفعل قد شفي تماماً وانقذت ساقه من البتر بعد عشرة أيام من تلقيه العلاج بالفاج.