أحمد سليمان
السعودية كبيرة ولكن "السيسي" عندنا أكبر
أؤكد في البداية أن المملكة العربية السعوديةـ ملكاً وحكومة وشعباًـ تحظي باحترام وحب وتقدير غالبية المصريين وأنا منهم. والأزمة العارضة التي تمر بها العلاقات بين البلدين الشقيقين سوف تزول إن شاء الله إن عاجلاً أو آجلاً .ولكن ما يثير الانزعاج أن هناك مواقف تصدر من البلدين منذ بدء الأزمة في شهر سبتمبر الماضي تكشف عن توجهات كل بلد ومن منهما يسعي لنبذ الخلاف ومحاولة لم الشمل . ومن يسعي للتصعيد وتأجيج الأزمة.
وسوف أسرد هنا بعض هذه المواقف وأترك للقارئ العزيز إعمال فكره والوصول للنتيجة.
أولاً: كما نتذكر فإن الأزمة بدأت بتصويت مصر لصالح القرار الروسي بشأن سوريا في مجلس الأمن سبتمبر الماضي. وهو ما رفضته وعلقت عليه المملكة في العلن ـ علي غير العادة ـ علي الرغم من أن الموقف المصري من الأزمة السورية معلوم للأشقاء في المملكة وليس جديداً ولكن فوجئ المصريون جميعاً بقرار من شركة "أرامكو" السعودية للبترول بوقف شحنة شهر أكتوبر من البترول التي- حسب الاتفاق بين البلدين- تصل كل أول شهر ولمدة خمس سنوات ووقتها رفضنا أقاويل الخبثاء بأن هذا القرار عقاب من المملكة لمصر خاصة أن هذه الشركة تابعة للحكومة السعودية وليست شركة قطاع خاص ووقتها أيضاً صدرت تصريحات متوازنة من الحكومة المصرية ترفض التشكيك في نوايا الأشقاء بالمملكة وتؤكد أن هذا الوقف لمدة شهر واحد وسوف تستأنف الشركة ضخ الكميات المتفق عليها في شهر نوفمبر ولكننا فوجئنا باستمرار وقف الشحنات من "أرامكو" لشهر نوفمبر ثم شهر ديسمبر وهنا بدا واضحاً لكل ذي عينين أن قرارات شركة "أرامكو" هي في الحقيقة قرارات الحكومة السعودية.
ثانياً: بعد أزمة التصويت في مجلس الأمن استقبل خادم الحرمين الرئيس التركي رجب أردوغان وعقد معه اتفاقيات سياسية واقتصادية وعسكرية في رسالة لا تخطئها العين في ظل اشتعال الأزمة بين مصر وتركيا.
ثالثاً: منذ أيام سافر الرئيس السيسي- لأول مرة حسب ما أعتقد- لحضور احتفالات دولة الإمارات العربية الشقيقة بعيدها القومي الخامس والأربعين بعد محاولات واضحة من الأشقاء بالإمارات للم شمل مصر والسعودية وبإرادة ونفس صافية من الرئيس السيسي لتحقيق الهدف المنشود لأنه يعلم تماماً خطورة استمرار هذا الخلاف علي المملكة قبل مصر وتوقع معظم المصريين وتمنوا- وأنا منهم أيضاً- أن نري صورة تجمع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان والرئيس السيسي وولي عهد الإمارات الشيخ محمد بن زايد سواء بعقد قمة ثلاثية أو حتي مجرد التواجد معاً في مكان واحد بما يعني انتهاء الأزمة العابرة ولم شمل البلدين الشقيقين ولكننا فوجئنا بانتهاء زيارة الرئيس السيسي للإمارات والتي استمرت يومين بينما لم يصل العاهل السعودي وما زاد الاعتقاد بأن هذا الموقف متعمد أن الملك سلمان وصل للإمارات بعد مغادرة الرئيس السيسي مباشرة.
رابعاً: بعد انتهاء زيارة الملك سلمان للإمارات توجه مباشرة إلي دولة قطر واحتفل ورقص مع الأمير تميم حاكم قطر في مشهد لا يخلو من معان واضحة للجميع في ظل الأزمة المشتعلة بين مصر وقطر وتجاوزات قطر غير المحدودة بقناتها المشبوهة ضد مصر.
خامساً: أمس وقع حادث إرهابي بشارع الهرم سقط فيه ستة شهداء من رجال الشرطة فأصدرت المملكة بياناً قدمت فيه عزاءها لمصر "حكومة وشعباً" وليس "رئيسا وحكومة وشعباً" . مع عدم اتصال العاهل السعودي بالرئيس السيسي لتقديم واجب العزاء في الشهداء الذين سقطوا كما كان يحدث من قبل في مثل هذه المواقف . بما يؤكد إصرار مسئولي المملكة علي استمرار الأزمة بين البلدين.
هذه هي بعض المواقف التي كانت واضحة للعيان ولن أخوض في الشائعات وما تمتلئ به مواقع التواصل الاجتماعي وتحليلات صحف الغرب بأن الشيخ محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي هو الذي لا يريد إنهاء الخلاف ويصر علي تصعيد الأزمة ووضع بصمته علي العلاقات بين البلدين في ظل ما يثار عن أنه يتم تأهيله لتولي مقاليد الأمور في المملكة . وأن المملكة تريد إقالة سامح شكري وزير الخارجية عقاباً له علي مواقفه من الأزمة السورية والموقف في اليمن وغير ذلك من مواقف تمثل رؤية الدولة المصرية وليس رؤية وزير الخارجية الذي أراه من أنشط وأفضل وزراء الخارجية المصريين والذي حقق إنجازات كبيرة خلال فترة وجيزة.
أعتقد أن الرئيس السيسي وكما نقول في المثل الشعبي " عداه العيب". وقدم كل ما يمكن تقديمه لرأب الصدع ولم الشمل وجبر الكسر لأن هذه شيم الكبار . ولكننا الآن نطالبه بالاكتفاء بما تم وعدم تقديم هذا النوع من المواقف حتي لا يساء فهمها . فإذا كانت المملكة السعودية دولة كبيرة ولها تقديرها عند كل المصريين فإن الرئيس السيسي عندنا أكبر بأخلاقه ومواقفه . فهو رئيس مصر الشقيقة الكبري لكل العرب .. شاء من شاء وأبي من أبي.