المساء
مؤمن الهباء
ماذا حدث للمصريين؟!
لعلك أدركت الآن إلي أي هوة سحيقة انحدرنا.. وأن الدكتور جلال أمين كان صادقا مع نفسه ومعنا حين أطلق صرخته المدوية: ¢ماذا حدث للمصريين؟!¢.. وحين جعل هذا التساؤل الموجع عنوانا لكتابه الصريح الذي رصد فيه حجم التحولات والانقلابات الرهيبة التي حدثت في أخلاقنا وقيمنا وذوقنا!
ماذا حدث للمصريين؟!
من الأفضل بالطبع أن نواجه أنفسنا بحقيقتنا مهما كانت الحقيقة مرة.. وأن نكشف عن أمراضنا كي نعالجها ولا نظل نخدع أنفسنا بشعارات براقة ولكنها غير واقعية.. عندما نعرف المرض ونصل إلي التشخيص الصحيح.. ونمتلك الإرادة والرغبة.. سوف يكون لدينا أمل في العلاج والشفاء.
كنا لسنوات طويلة مضت نعتقد أن محنتنا الكبري تكمن في الثلاثية الأزلية التي ابتلينا بها: الفقر والجهل والمرض.. لكننا اكتشفنا الآن أن فيروس الفساد الذي ينخر في عظامنا أخطر بكثير من هذه الثلاثية.. بل هو مصدرها وسر وجودها.. ويوم نقضي علي هذا الفيروس سيكون باستطاعتنا تجاوز الثلاثية المقيتة.. وفك عقدتها.
ماذا حدث للمصريين؟!
الفساد.. ثم الفساد.. ثم الفساد.
الفساد أفسد حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. وضيع علينا فرصا نادرة للتغيير إلي الأفضل.. ودمر منظومة القيم الجميلة التي كان يعيش بها ولها المصريون الطيبون.. وزرع في أرضنا الخضراء قيما غريبة.. مستوردة.. لا تفرق بين الحلال والحرام.. ولا تعرف غير الجشع والكذب والخداع.
مصر كلها تتحدث الآن عن ضبط أكبر شبكة دولية للاتجار في الأعضاء البشرية.. زعماؤها بعض اساتذة بكليتي طب القاهرة وعين شمس وآخرون من معدومي الضمير.. مصريين وعرب.. أطباء وممرضين ووسطاء وسماسرة وعمال وأصحاب مراكز طبية ومديري مستشفيات ومعاهد متخصصة في زراعة الأعضاء.. هؤلاء جميعا يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لبعض المواطنين الفقراء للإتجار في الأعضاء البشرية مقابل مبالغ مالية زهيدة.. في حين يحصلون هم علي أموال باهظة.
يستحق جهاز الرقابة الإدارية الشكر فعلا علي هذه الضربة القاصمة.. التي كشفت عن عورات مجتمع ¢شبه الدولة¢.. فلولا غياب الرقابة لما انتشرت وتغولت هذه الشبكة الدولية التي حولت مصر إلي أكبر مجزرة بشرية.. يتم فيها النصب علي الشباب الفقراء وسرقة الكلي منهم تحت حساب التبرع لمريض بعد اختيارهم وإغوائهم داخل المستشفيات العامة.. وذلك علي الرغم من الأفلام التي ظهرت منذ فترة للتحذير من الحيتان الكبار الذين يديرون هذه التجارة البشعة وكشف ألاعيبهم.
لقد بلغ عدد من تم القبض عليهم حتي الآن في هذه الشبكة الدولية 45 شخصا.. بينهم اطباء وممرضون وسماسرة وعمال.. وهناك 16 شخصا مازالوا هاربين.. كما تم ضبط ملايين الدولارات والجنيهات مع هؤلاء المتهمين فضلا عن العديد من المستندات وأجهزة الكمبيوتر التي تحمل أدلة إدانتهم.
ماذا حدث للمصريين؟
أهو الطمع الجامح والجشع اللامحدود الذي يدفع طبيبا واستاذا في أعرق الجامعات ولديه عيادته أو عياداته الخاصة التي تجلب له الذهب لكي يتاجر بفقر الفقراء المعدمين من أبناء وطنه بلا أدني ضمير.. يدفع للشاب الفقير 15 ألف جنيه ويحصل هو وزبانيته علي ملايين الدولارات والجنيهات.
أي علم تعلم هذا الاستاذ الجشع.. وأي خلق تربي عليه.. وماذا ينفعه المال الذي كسبه من حرام.. من دم الفقراء وصحتهم؟
ماذا حدث للمصريين؟
لقد كنا والله أفضل من ذلك بكثير.. كنا رحماء بأنفسنا.. ثم تحولنا إلي وحوش في غابة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف