الأخبار
عبد المنعم فؤاد
الاحتفال بميلاد الرسول «» ودعوي الابتداع
كلما أطلت علينا نسائم الربيع لتذكرنا بميلاد الحبيب صلي الله عليه وسلم سُمعت أصوات تؤيد الاحتفال بذكري الميلاد الكريم، وتسرد علي الأسماع ذكريات الحبيب من حمله لميلاده، مرورا بسيرة حياته، ووصولا لإبلاغه العالم بكلمات ربه، وانتهاء بختم رسالته.
كما تُسمع أصوات أخري تشجُب وتستنكر، وتُبدّع هذا الاحتفال، وتُفسق من يقوم به مستندة لحديث النبي : (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار). والإسلام اكتمل بنيانه علي يد المصطفي ولم ير أنه احتفل هو وأصحابه بهذا الميلاد فلمَ التجني علي الدين؟
ويعتمد اصحاب هذا الاتجاه علي ان بلدا مثل السعودية لم يؤيد علماؤها ذلك.. الخ.
ولتقييم هذا الأمر، والذي لا يغيب عنا كل عام، وتُبلبلُ الأفكار بسبب ما يسمع هنا، وهناك، بل، وتسارع بعض وسائل الإعلام بإظهار هذه الأصوات، والميل لرأي دون رأي حسب هوي بعض الإعلاميين أحيانا لخلق شو إعلامي تكثُر بسببه الإعلانات، وتزيد نسب المشاهدات.. لابد من وضع الأمور في نصابها، وفق المنهج العلمي الصحيح، وبما يتوافق مع وسطية هذا الدين الحنيف، ( ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة).الأنفال - 42- ومن ثمّ أقول:
لا يليق بأمة هي من خير الأمم، وتري ما يحيق بأهلها من تشتيت: أن تزيد في توسعة الهوة بين أبنائها، وشبابها بسبب أمر مثل هذا هو في الحقيقة لا هو مفروض، ولا مرفوض، ولم يقل أحد أنه شعيرة من شعائر الإسلام، بل هو من المباحات، والمباح من شاء فعله، ومن شاء تركه، ولا يليق أن نتراشق بالتأثيم لبعضنا في أمر كهذا، بل هذا الدين يسعُ الجميع، ومن رأي أن يحتفل فليحتفل طالما أنه في احتفاله سيتذكر أخلاق النبي الأكرم -صلي الله عليه وسلم- وأنه سيُقيم هذه الأخلاق في نفسه أولا، ويشغلها بذلك قبل أن يشغلها بالمظاهر كالأكل، والشرب، وشراء الحلوي الخ..
ولا شك أن تذكر هذه الأخلاقيات النبوية واجب علي الجميع (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) الأحزاب 21.
فإن كان الاحتفال سيساعد في استعادة المنظومة الأخلاقية، ويُذكّر الأمة بقيم: الصدق والأمانة والرحمة والإخلاص، وحب الوطن، والضرب بيد جماعية علي يد الحاقدين، والمكفراتية، والفاسدين، وما أكثر هؤلاء في هذه الأيام! فأهلا وسهلا بالاحتفال، واعتقد أن صاحبه يُثاب عليه بفضل الله، وإلا فلا.
وهذا هو ما أميل إليه، وأري أننا في اشد الحاجة لتذكير الناس بهذا الميلاد، والذي هو بداية الخير لهذه الأمة، بل وللعالم كله لأنه رحمة للعالمين.
ولا يمكن أن نقبل بالرأي الثاني الذي يُفسق، ويُؤثّم من يحتفل ، ويستقطب عقول أعداد كبيرة من الشباب، بسبب ما أورده من أدلة سابقة غير دقيقة لما يلي:
أولا : الاحتفال بميلاد النبي ليس بدعة وضلالة لكون النبي لم يفعله، إذ ليس كل ما لم يفعله الرسول في حياته لا يجوز فعله بعده، ولأن البدع منها ما هو حسن، ومنها ما هو سيئ، والبدعة السيئة يرفضها الدين تماما، وكل من له أثارة من علم..
بقيت البدعة الحسنة، وقد رأينا سيدنا عمر يحددها لنا، وهو يري الناس في عهده يجتمعون في المسجد علي تلاوة كتاب الله في صلاة التراويح فيفرح ويقول: (نعمت البدعة هذه).
وسؤالي للمانعين والمؤثمين لغيرهم: هل أنتم تصلون التراويح جماعة في رمضان أم لا؟ الجواب نعم.
والرد: كيف تصلون، وتعملون عملا جماعيا، وترددون دعوات متنوعة، والنبي لم يفعل ذلك، ثم تُؤثّمون غيركم بالاحتفال بالمولد فرحا لأنه لم يكن في عهد النبي؟
نريد الجواب، وإنا لمنتظرون.
ثانيا : ما رأيكم في عمل هو أكبر فعله الصحابة بعد النبي، ولم يفعله النبي، وهو جمع المصحف الشريف في عهد أبي بكر، ثم في عهد عثمان، بل حرق عثمان عددا من المصاحف التي عليها تعليقات من بعض الصحابة حتي لا يُظن فيما بعد أنها من القرآن، وجمع الأمة علي مصحف واحد بلغة قريش، وهو ما بين أيدينا الآن، فهل هذا بدعة محدثة، وهو ضلالة، وكل ضلالة في النار لأن الرسول لم يفعل ذلك مع أنكم تقرأون هذا المصحف الذي لم يجمعه الرسول ليلا ونهارا؟!. أفيدونا أفادكم الله ؟.
ثالثا: ثقولون: النبي والصحابة لم يحتفلوا بالميلاد، ولا أصل لهذا الاحتفال.
وهذا غير صحيح، فالنبي كما ثبت في الصحيحين (كان يصوم يوم الاثنين، والخميس فسُئل عن ذلك فقال : يوم الاثنين فذاك يوم ولدتُ فيه...).
ألا يُعد هذا من الأدلة المقنعة علي عدم تأثيم من احتفل بالمولد، بل علينا تشجيعه وأمثاله باقامة القربات كما فعل النبي هنا؟
رابعا: ثم إن هؤلاء المانعين يستشهدون بكون السعودية لم تحتفل بالمولد، فنحيل هؤلاء إلي ما قاله الشيخ عبد الله المطلق في إحدي محاضراته، وهو عالم نُكنُّ له كل تقدير قال: (إن المحتفلين بالمولد ليسوا كلهم من المخطئين وأدعو لمسابقة شعرية عن الرسول) - (نقلا عن موقع عيون الخليج).
فلماذا يظن إخواننا أن كل المحتفلين من المخطئين، وأنهم أهل ضلالة وإلي النار؟!.
ثم ماذا يُقال فيما ذكره ابن تيمية - وهو الذي يسير علي نهجه علماء المملكة - في كتابه (اقتضاء الصراط المستقيم ج2 ص 162) قال: (فتعظيم المولد واتخاذه موسما قد يفعله بعض الناس، ويكون فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صلي الله عليه وسلم) وهو نفس كلام الشيخ المطلق تقريبا، فلماذا لا نُحسن الظن بالناس إن احتفلوا؟، ولماذا لا نُشجعهم علي تذكرهم لسيرة الرسول الرحمة المهداة في وقت طغت فيه الماديات علي الجوانب الروحية؟، ولماذا نُفرط في إحياء ذكري ميلاد نبينا العظيم في وقت يحتفل الآخرون بعظمائهم، وسير قادتهم؟
فهل هناك عظيم أعظم من نبينا؟
وهل هناك فرحة يجب أن تسود بيننا أكثر من فرحتنا بمجيء شفيعنا؟!.
إن الشباب الآن في أشد الحاجة إلي الأخذ بأيديهم لمعرفة سيرة النبي العظيم، وتذكيرهم بأيام الله التي ولد فيها الهادي الذي أضاء الكون بقدومه، فاختطاف عقول أبنائنا من المتطرفين ما أسهله وزرع الإرهاب فيها بقوة هو ما يسعي إليه الكارهون لبلادنا، وأمتنا، ولما كانت مدارسنا لا تُقرر مادة الدين، ولا تقصُ سيرة الرسول لأبنائنا، بل ويبدو أنها مُصرة علي ذلك لأننا لم نسمع مسئولا واحدا يُبشرنا بهذا!! مع أن الجميع يُشاهد النتائج المخيفة تجاه وطننا بسبب غياب هذا الأمر من مدارسنا؛ فكان الواجب شغل عقول الأبناء بمزيد من الاحتفالات، والتذكير برحمة الرسول الأكرم، وحسن خُلقه، وحبه لوطنه، وأبناء أمته، لعل الله يغير الأمر إلي الأفضل.
والله المستعان.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف