لو تأمل الإنسان في تاريخ الصراع بين الإسلام واعدائه منذ لحظة ظهوره في مكة مروراً بانتقال رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي المدينة وانتشار هذا الدين في الافاق وحرب العالم له فإنني اتصور أن أكبر هزيمة مني بها الإسلام علي مدي تاريخه هو الهزيمة الاخلاقية التي نعاني منها الآن.
فأعداء الإسلام استطاعوا أخيراً أن ينزعوا من شخصية المسلم أخلاقه التي غرسها صاحب هذا الدين في نفوس أتباعه لأنها مهمة كلفة بها رب العالمين واخبر بها النبي صلي الله عليه وسلم بقوله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
وأخبر عنها القرآن الكريم وهو يخاطب نبيه بقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وحدد له أهم صفاته فقال في سورة القلم: "وإنك لعلي خلق عظيم".
إذن فقضية رسولنا الكريم صلوات الله عليه وسلامه التي عاش من أجلها هي نشر التوحيد وتدريب الموحدين علي المثل العليا والقيم النبيلة أما بقية الاحداث والحوادث وغيرها فهي ثانوبات أو مكملات وأمور معاونه لتحقيق الهدف المنوط به في البشرية كلها وبالتالي فاجتياح التتار للعالم الإسلامي وكذلك الصليبيين ثم عودتهم في العصر الحديث بعد طرد صلاح الدين لهم ثم عودتهم في أيامنا هذه بأساليب شتي نراها في كل مكان ليست مثل هذه الهزيمة التي حولت المسلم إلي مسلم قولا وشكلا بلا فعل أو مضمون فلم يعد المسلمون كالنجوم التي تنير الدروب للضالين في الصحاري ولم يعودوا شفاء لما في الصدور.
من هنا فإن من يلتفت حوله في ذكري الرحمة المهداة لا يجد من اثر له في نفوس اتباعه إلا روائح لا أثر لها وبالتالي فإن من أراد أن يواجه هذه الهزيمة النكراء للأمة الإسلامية فليس أمامه الا أن يعود للمهمة الكبري التي جاء من أجلها صاحب الرسالة ألا وهي إتمام مكارم الاخلاق والرحمة للعالمين.. أي اننا في كل الاحوال في حاجة ماسة إلي إعادة صناعة الإنسان ليكون كما تركه نبينا صلوات الله وسلامه عليه علي الحجة البيضاء ليلها كنهارها فلما اجتاحنا التتار بأسلحتهم القوية انتصرنا عليهم بسلوكياتنا فعادوا مسلمين يدافعون عن الإسلام حتي أقاموا دولة تجاوز عمرها السبعة قرون في شبه الجزيرة الهندية ولما اجتاحنا الصليبيون فوجئوا بما لدينا من رقي وأخلاق حتي أدعوا أن صلاح الدين الايوبي أمه مسيحية ثم ادعوا أنه تنصر وهو علي فراش الموت وعادوا يحملون من قيمنا الكثير وتغيروا في كثير من أمورهم وقيمهم.
أما الآن فلا يرانا أحد إلا استهان بنا واستغرب تناقضاتنا بين قول وفعل بل اصبحت القيم النبيلة شذوذا عن القاعدة وأصبح الصدق غريبا والاتقان عمله نادرة والشك في كل من حولنا منهجاً.
فإذا أردنا أن نعود هداة مهتدين نجوما يهتدي بنا مسلمون كما أراد لنا رسولنا فليس أمامنا إلا اعادة صناعة الإنسان وأي عمل غير ذلك فهو عبث ومضيعة للجهد والوقت فهل نفعل..؟