عباس الطرابيلى
تحرير حلب.. أم تدمير حلب؟
شديد الحزن على ما جرى لمدينة حلب الشهباء.. إذ أصابها الدمار الشامل.. وهى المدينة التى كانت أجمل مدن شمال سوريا.. وهى الحارسة الشمالية المدافعة عن كل سوريا بل عن الوطن العربى كله.. إذ هى قرب الحدود مع من يتكلمون التركية، أى الحد الفاصل بين العرب والترك.. وهى مدينة الفنون والآداب. وفيها مثلاً ولد ونشأ أفضل من أدى وغنى القدود الحلبية الشهيرة: صباح فخرى الذى أحيا تراثها العربى وأفضل من أدى: يا مال الشام.. وقدك المياس.. وقل للمليحة فى الخمار الأسود.. وفى حلب القديمة واحدة من أقدم وأكبر القلاع التى صمدت للجيوش الصليبية.. وصدت الجيوش التركية العثمانية.
<< واليوم أتساءل: ما قيمة أن يقترب الجيش السورى من السيطرة على حلب.. هل يستعيد أطلالاً.. أم هو الدمار الشامل.. وأى تحرير هذا لمدينة حلب الشهباء- أى ناصعة البياض- و ذلك بعد أن سيطر الجيش السورى على جميع أحياء مدينة حلب القديمة، بعد انسحاب مسلحى المعارضة.. ثم يتقدم الجيش السورى فى أحياء المدينة المحاصرة.. بدعم ـ بكل أسف ـ لميليشيات إيرانية، مع قوات حزب الله الشيعية.. والغطاء الجوى الروسى.. لم يعد هناك إلا أمل إجلاء الناس الى مناطق ريف حلب الشمالى.. وبذلك سيطرت قوات الجيش على 35 حيًّا فى شرق حلب أى بما يعادل 70٪ من إجمالى مساحة شرق حلب.
<< وهل كان الأفضل أن تبقى المدينة سليمة ولا يتم تدميرها بهذه الوحشية التى تعيد إلى الأذهان ما فعله المغول أو التتار فى مدينة بغداد عاصمة الإسلام والعرب عندما اقتحموها ودمروها تدميرًا.. بل إننى أقولها بكل ثقة إن ما جرى لحلب وللعديد من المدن السورية اكثر بشاعة مما فعله التتار والمغول.. ومن المؤكد أن الذين ارتكبوا هذه الجريمة الكبرى يفعلون ذلك، بكل هذا الغل والكره لسوريا ولكل السوريين.. وربما لهم أيضاً مصلحة فى إعادة تعمير هذه المدن.. وكله بالثمن الباهظ.. ثمن الأسلحة المستخدمة فى التدمير.. وثمن إعادة التعمير.. ولكن ماذا عن البشر.. ماذا عن أبناء سوريا الغالية.. ما هى جريمتهم ليسقط أكثر من ربع سكانها بين قتلى ومصابين، ومنهم من حاول الهروب.. طلبًا للنجاة.. فهاجروا الى عدوهم الأول، تركيا.. أو الى شرق ووسط أوروبا.. أو جاءوا الى شقيقتهم الكبرى، شريكتهم فى الحرب والدفاع عن العرب والعروبة.. الى مصر.
<< وبعيدًا عن دور سوريا ـ الدولة ـ التى ترفض قطاعات عديدة من شعبها سياسته.. وكيف تلتقى رغبات رئيسها مع أطماع الكل: تركيا وإيران وروسيا، أمريكا نفسها ..ليشتركوا جميعًا فى الجريمة الكبرى التى تستهدف تدمير كل شىء فى هذا القطر الشقيق.. ومن المؤكد أن مصر لن تقبل أبدًا تدمير سوريا بهذا الشكل.. لأن هذا معناه تقسيم كل سوريا الى عدة دويلات أو كنتونات صغيرة وذلك يعنى إزالة أى خطر على إسرائيل نفسها.. وتنضم سوريا بذلك الى العراق التى خرجت تمامًا من المعركة. وهذا من أهداف ما يجرى فى سوريا.. وفى غيرها من مقاومة عربية تحيط بإسرائيل.
<< حقًا المغول والتتار يفعلون مثل ما يجرى الآن فى سوريا.. وهى جريمة لن يغفرها التاريخ لكل من ساهم فى هذا التدمير.