توقفت أمام خبر صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية الصادرة فى لندن منذ أيام عن ترحيب جيبوتى بإقامة قاعدة عسكرية سعودية على أراضيها، وهو ما يعنى انتهاء تلك الأزمة التى نشبت بين جيبوتى من جانب وبين المملكة والإمارات من جانب آخر فى أبريل 2015 وقت استخدام البلدين لجيبوتى لدعم تحرير «عدن» اليمنية فى الحرب التى تقودانها ضد الحوثيين، حين حدث خلاف عنيف بين رئيس سلاح الجو الجيبوتى وبين مسئولين إماراتيين لهبوط طائرة إماراتية عسكرية دون ترخيص فى مطار جيبوتى الدولى، لتعلن جيبوتى فى 4 مايو 2015 طرد القوات السعودية والإماراتية من منشأة عسكرية على أراضيها منحتها لهما لدعم عملياتهما العسكرية فى اليمن، وقطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات رسمياً. وقتها قيل الكثير عن النفوذ الإيرانى الممتد إلى تلك البقعة الأفريقية المهمة عند المدخل الجنوبى للبحر الأحمر ومضيق باب المندب الذى يعد أحد أهم الممرات المائية فى العالم، وأكثرها احتضاناً لحركة السفن، بالإضافة إلى كونه حلقة الوصل الاستراتيجية بين قناة السويس ومضيق هرمز، الذى يمر من خلاله أكثر من 40% من تجارة النفط العالمية، بحسب إحصائيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. لذا فإن تصريحات الترحيب الجيبوتى بالتفاهم مع السعودية لا تعنى فقط إزالة الخلاف بينهما لحماية المصالح الخليجية من النفوذ الإيرانى، لكنه يعنى أيضاً تغيير ملامح النفوذ فى تلك البقعة الأفريقية المهمة، خاصة بعد إعلان جيبوتى قطع علاقاتها مع إيران. ولكن...
لا يمكن النظر إلى الأمر من تلك الناحية وحسب بل لا بد من طرح الصورة كاملة فى ظل ما تداولته بعض الأقلام من أن تلك الخطوة السعودية تمثل خطراً على مصالح مصر التى تؤمن منذ عهد الفراعنة بأن أمنها القومى الجنوبى يبدأ من منطقة القرن الأفريقى. وهنا وجب التوضيح أن جيبوتى تعانى من مشكلات اقتصادية كثيرة رغم أن تعداد سكانها لا يتجاوز المليون نسمة، باتت منذ السبعينيات مقراً لأكثر من قاعدة عسكرية لدول كبرى يأتى فى مقدمتها القاعدة العسكرية الفرنسية التى تعتبر أهم قاعدة عسكرية لفرنسا فى أفريقيا وتم إنشاؤها وفقاً لاتفاقية دفاع بين البلدين منذ عام 1977، أى فى عام استقلال جيبوتى عن فرنسا. والهدف المعلن لوجود تلك القاعدة هو حماية التجارة الفرنسية فى تلك المنطقة وحماية جيبوتى من أى تهديد خارجى. كما توجد قاعدة «ليمونيه» العسكرية التى استأجرتها الولايات المتحدة الأمريكية من جيبوتى فى عام 2002 بدعوى مكافحة الإرهاب وأرسلت لها وقتها 900 جندى أمريكى بلغ عددهم اليوم نحو 4000، وتعد مقراً لقوة العمل المشتركة فى إطار القيادة العسكرية الأمريكية فى أفريقيا، والمعروفة باسم قوات «أفريكوم»، وتُعنى بمراقبة المجال الجوى والبحرى والبرى للسودان، وإريتريا، والصومال، وجيبوتى، وكينيا، واليمن، ودول الشرق الأوسط. ثم هناك القاعدة العسكرية البحرية اليابانية التى أنشأتها اليابان فى عام 2009 وتتضمن ميناءً ومطاراً عسكرياً لإقلاع وهبوط طائرات الاستطلاع اليابانية لمكافحة القرصنة البحرية والدفاع عن مسار التجارة اليابانية فى تلك المنطقة، والتى تقدرها أرقام التقارير العسكرية بنحو 90% من الصادرات اليابانية. ليس هذا وحسب بل إن الصين كانت قد أعلنت مع جيبوتى فى نهاية ديسمبر 2015 على هامش القمة الأفريقية الصينية فى جوهانسبرج عن توصلهما لاتفاق يقضى بإقامة قاعدة عسكرية بحرية صينية فى جيبوتى قبل نهاية 2017 لتكون أول قاعدة للصين خارج حدودها. وهى خطوة أثارت الكثير من التحليلات وقتها كمؤشر لتغير سياسة الصين التى اعتمدت على التمدد الاقتصادى لسنوات مضت دون تفكير فى اللجوء للعسكرية.
إذن، دعونا نتفق على أن ما أعلنته السعودية ليس بالجديد وأن جيبوتى تدرك أهميتها الاستراتيجية فتمنح أرضها لمن يدفع أكثر ويحمى مصالحها أكثر حتى باتت قاعدة لقواعد عسكرية تتعارض أهداف ومصالح الدول المالكة لها ومنذ سنوات. وهو ما تدركه بلادى وتعلم مخاطره وتحسب حساباته عسكرياً ومخابراتياً. لكن يبقى السؤال الأهم: هل يمكن أن تكون الخطوة السعودية عزفاً مختلفاً يخدم أهدافاً عربية مصرية مشتركة؟
ليته يكون كذلك.