الأهرام
حسن ابو طالب
إرهاب فى كل مكان
فى يوم واحد شهدت ثلاث دول أحداثا إرهابية دنيئة، وهى تركيا فى العاصمة اسطنبول بالقرب من أحد النوادى الرياضية الكبرى وراح ضحيته اكثر من 20 شخصا، واليمن فى العاصمة المؤقتة عدن حيث فجر انتحارى نفسه فى تجمع للشرطة فقتل 50 جنديا كانوا ينتظرون الحصول على رواتبهم، والعراق فى بغداد حيث قتل ما يقرب من 40 شخصا نتيجة تفجير انتحارى اعلنت داعش مسئوليتها عنه. وقبلها بيوم تعرضت مصر لحادث ارهابى فى أحد الشوارع المهمة فى الجيزة، حيث انفجرت عبوة بالقرب من أحد كمائن البوليس المكلفة بحماية أحد المساجد الكبيرة فيه، فأصاب الانفجار ستة من الشهداء من الضباط والجنود، فى حين أعلنت جماعة تابعة للإخوان الارهابية مسئوليتها عن الحادث، وذلك غير المواجهات التى تقوم بها القوات المسلحة مع العناصر الإرهابية فى الشيخ زويد ورفح بشمال سيناء.

وفى كل حادث إرهابى هناك دوافع قد تبدو شكلا مختلفة، مثل ما يوصف بمواجهة سلطة ظالمة، أو إرباك الأمن وانزال العقاب بالمنتمين له، أو توجيه ضربة للمجتمع لكى يفقد ثقته فى نفسه ويقبل بالعودة الى ماض لن يعود أبدا، أو لإرسال رسالة بأن التنظيم الارهابى ما زال يعمل بكفاءة رغم الضربات التى يتعرض لها. وأيا كان التبرير المعلن من الجهة الفاعلة فتظل مثل هذه الأعمال إرهابية ولا يمكن قبولها أو إضفاء أى شرعية عليها، أو تفهم أسبابها أو الرضاء المؤقت عليها. ناهيك عن كونها أعمال قتل بالمفهوم الدينى لنفس بشرية، من قتلها فكأنما قتل الناس جميعا واستحق اللعنة فى الدنيا والآخرة معا.

فالإرهاب هو الإرهاب لا دين له ولا هوية، ومن يؤوى مجموعة أو أفرادا منهم ويتصور أنه بتعامله مع هذه النوعية من البشر أنه يأمن شرهم ويضعهم تحت جناحيه ليكونوا رهن إشارته فهو واهم، وسيأتى اليوم الذى يوجه الارهابيون سهامهم وبنادقهم وقنابلهم الى صدره وهم يكبرون ويهللون باسم الدين والانسانية وكلاهما براء. وهذا ما نراه يصيب الشعب التركى دون ذنب اقترفه، وبسبب اندفاعات وأخطاء حكومته ورئيسه فى سوريا والعراق ومصر وليبيا.

هذا القاسم المشترك من حيث التوقيت فى وقوع الفعل الإرهابى يجب ألا ينسينا أن منطقتنا العربية تعج بالكثير من الأسباب التى تجعل الإرهاب والإرهابيين سمة مستمرة لبعض الوقت، فطالما هناك حروب تطلق شرارتها دول فقدت رشدها، وجماعات وأفراد لا يفقهون شيئا فى الدين ولا فى القيم الانسانية ويتصورون انهم حاملو رسالة عليا لتطهير البشر واقامة العدل، واطراف فى صورة اجهزة ومؤسسات وأدوات إعلامية تلقى الزيت على مستصغر الشرر فتجعله نارا حامية الوطيس، فستظل فرصة حدوث عمل إرهابى قائمة بكل قوة. والعاصم الوحيد لعدم الوقوع فى فخ الإرهاب والارهابيين هو أن يقف الشعب صفا واحدا واعيا بمخاطر الإرهاب وتفكك المجتمع، ومخاطر اللجوء الى أطراف خارجية للاستقواء بها على أهل بلده ومؤسساتها.

وإذا ألقينا نظرة سريعة على الأحداث الثلاثة السابق الاشارة إليها وهما التفجيران الانتحاريان فى عدن وبغداد، والسيارة المفخخة فى اسطنبول، سوف نجد أن القاسم المشترك يكمن فى وجود حالة اقتتال داخلى مع اختلاف فى الدرجة والحدة والكثافة. فتركيا رغم أنها تبدو اكثر استقرارا بالمقارنة مع العراق واليمن، ففى حقيقة الأمر تعيش حالة حرب أهلية مع الأكراد الذين يمثلون نحو 18 الى 20 بالمائة من اجمالى السكان، وهم محرومون من حقوقهم السياسية والثقافية والاجتماعية على نحو غير مسبوق، خاصة هؤلاء الذين يعيشون فى المناطق الجنوبية لتركيا، حيث ينتشر نفوذ سياسى ومعنوى لحزب العمال الكردستانى المناهض لحكومة الرئيس اردوغان.

أما العراق فيواجه عدة مشكلات وأزمات كبرى تهدد استقراره، أهمها شيوع الطائفية والنفوذ الايرانى الهائل، وإقصاء السنة والحرب ضد تنظيم داعش لاسيما فى الموصل وأجزاء اخرى من محافظة نينوى. ولاشك أن مشاركة ميليشيات الحشد الشعبى الشيعى فى مواجهة داعش، وما ترتب على ذلك من تحرشات مع السنة وانتهاك حقوق الكثيرين منهم فى المناطق والبلدات التى يتم تحريرها من داعش، يزيد من حالة الغضب والتذمر، فضلا عن الشعور بالاغتراب من النظام السياسى القائم، وهى بيئة تدفع الى العنف والرد على الإساءة بإساءة مثلها أو أكبر.

وفى الحالة اليمنية فإن الحرب الضروس التى تجرى فى ربوع اليمن كله تقريبا بين رئيس وحكومة يعترف بها العالم مدعومة بتحالف تقوده الجارة الشمالية لليمن منذ 20 شهرا تقريبا ومازال بحاجة لجهود أخرى سياسية وعسكرية اكبر حتى يتحقق هدف إنهاء الانقلاب وإعادة الأمور الى نصابها، وذلك فى مواجهة جماعة مذهبية لا ترى الأمور إلا من زاوية ضيقة تحقق مصالحها الخاصة على حساب الشعب والدولة اليمنية ككل، ويدعمها فى ذلك بقايا نخبة كانت حاكمة فى سابق الأيام ويقودها الرئيس المخلوع على صالح. ناهيك عن المواجهة مع تنظيم انصار الشريعة التابع قوامه الرئيسى لتنظيم القاعدة الارهابى والمنتشر فى بعض محافظات من جنوب اليمن لاسيما حضرموت وشبوه ولحج، وهى المواجهة التى تشتد حينا وتخبو حينا آخر، ولا ينال المواطن اليمنى من ورائها سوى الدمار والقتل والخراب. أما حالتنا المصرية فتختلف عن هذه الحالات الثلاث من حيث تماسك المجتمع ووجود سلطة شرعية ذات ظهير شعبى عريض، ومؤسسات أمنية قوية وجيش مدعوم بشعبه، ولكننا جميعا نواجه تبعات وجود نظام سياسى تابع لتنظيم دولى حكم مصر لمدة عام واحد فقط، ولكنه فتح أبواب البلاد لجماعات إرهابية من كل حدب وصوب، وتصور فى لحظة ما أن هؤلاء سوف يخدمونه ويلعبون لحسابه من حيث إجبار الشعب على قبول حكم الجماعة الإرهابية لعقود وعقود دون معارضة أو منازلة. وما إن ثار الشعب وأسقط حكم الجماعة الارهابية، إلا والإرهابيون والمتطرفون الذين استفادوا من نظام الجماعة وآخرون ارتموا فى احضان العمالة والخيانة لدول عربية وإقليمية واجنبية باتوا جميعا فى سلة واحدة هدفها اسقاط الدولة ومؤسساتها والدفع بالمصريين الى اقتتال أهلى يقود الى التشرذم والتفكك الذاتى، وبما ييسر لقوى خارجية ممارسة التحكم فى مصير مصر والمصريين. وهو ما اختبره المصريون واقروا الحل فى المواجهة مع كل ما ينتمى للارهاب أيا كان شكله ومداه.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف