محمد جبريل
ع البحري .. فلسطين.. قبل أن يسدل الستار!
أرجو ألا أكون صادما ولا مغاليا حين أشير الي أن كل المواقف العربية من قبل الاحتلال الصهيوني لإسرائيل تتضاءل خطورتها أمام الحدث الأخير الأشد خطورة. وهو موافقة الكنيست الاسرائيلي علي مشروع قانون يضفي الشرعية علي كل البؤر الاستيطانية في القدس والضفة الغربية. معني مشروع القانون والموافقة عليه هو "شرعنة" الاستيطان الاسرائيلي لما تبقي من الأراضي الفلسطينية المحتلة. من خلال تهجير أصحابها. وتمليكها للمستوطنين اليهود.
اذا أخذ هذا المشروع صفة القانون. وبدأ الكيان الصهيوني في تطبيقه. فان كل الخطوات التي اتخذناها ـ أو نحاول اتخاذها ـ دفاعا عن حق الشعب العربي في فلسطين. تفقد جدواها أمام واقع شاركت في صنعه الدولة الصهيونية. بداية من المستوطن الفرد. الي الجيش الذي يحمي الاستيلاء علي ممتلكات الفلسطينيين.
كان عراب الاستيطان ليبرمان وزير الجيش الاسرائيلي قد دعا الي تجميد عمليات البناء في المستوطنات. حتي تتشكل الادارة الأمريكية الجديدة. توقعا لمواقف أشد دعما لإسرائيل في ظل تصريحات ترامب الرئيس الأمريكي المنتخب. لكن آفي ديختر رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. ذهب الي أن وقف أعمال البناء في مستوطنات الضفة الغربية والقدس "مضيعة للوقت".. هذا نص قوله!
معني تمرير هذا القانون بالقراءة التمهيدية هو إضفاء الشرعية بأثر رجعي علي آلاف الوحدات التي بنيت علي أراض فلسطينية. وعددها يزيد علي 150 بؤرة استيطانية. يسكنها حوالي 15 ألف مستوطن. والقانون يمتد ـ بالطبع ـ فيؤسس لتحويل أراض أخري الي مستوطنات جديدة. ومنح الضوء الأخضر للمستوطنين للاستيلاء علي أراض اضافية في المستقبل.
تشير الباحثة الفلسطينية مديحة الأعرج الي ثلاثة مقترحات لجعل نهب أراضي الفلسطينيين شرعيا. أولها استخدام أملاك الغائبين. وكما تعلم فان توصيف الغائب يطلق علي الفلسطيني الذي طرد من بيته. ليسكنه بدلا منه مهاجرون من دول الشرق والغرب. لا معني لقدومهم الي فلسطين الا اعتناقهم الديانة اليهودية! ولعلنا نذكر رواية "عائد الي حيفا" لغسان كنفاني التي عاد فيها الفلسطيني الي بيته بحيفا. بعد أن هجره في 1948 فرارا من مذابح العصابات الصهيونية. وحين عاد الي مدينته بعد ضم الضفتين في 1967. استأذن الأسرة الاسرائيلية التي أقامت في مسكنه أن يزور الشقة. وقهره الأسي لوجود كل شيء علي ما كان عليه. حتي ريش الطاووس الذي كان أبوه قد أتي به من خارج فلسطين.
أما الاقتراح الثاني فهو امكانية اعلان المستوطنين سكانا محليين في منطقة واقعة تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي. اعتراف لم يحصل عليه المستوطنون حتي الآن. وأما الاقتراح الثالث فهو تطبيق آلية تعويض مماثلة لما اتبع في قبرص. بعد تقسيمها في 1974 الي دولة شمالية تحت سيطرة الجيش التركي. ودولة جنوبية تحت سيطرة القبارصة اليونانيين. حيث أقيم جهاز لتحديد تعويضات عن أملاك السكان الذين ظلوا في الجانب الثاني من قبرص. هذا الاقتراح يتجاهل حقيقة أن القبارصة الأتراك واليونانيين هم من أبناء الجزيرة. أما المستوطنون الاسرائيليون فهم غرباء عن فلسطين. تحمي القوة المسلحة وجودهم في أراضي الغير!
تختلف الاقتراحات وتتعدد. لكنها تتفق في هدف تهويد الأرض الفلسطينية. كل الأرض الفلسطينية. وجعل الشجب والتنديد وحتي القبول بالحد الأدني. من الماضي الذي قد يقتصر علي كتب التاريخ. إن لم يداخلها الزيف!