يوسف القعيد
حلاوة روح أم نقلة نوعية جديدة؟
هذا الذي يجري في بلادنا، جعلني أطرح علي نفسي سؤالاً: هل هي حلاوة روح أمام المتطرفين قبل النهاية والهزيمة النهائية؟ أم أنها نقلة نوعية جديدة في العمل الإجرامي ضد مصر؟ عن نفسي أتمني لو كانت حلاوة روح. بعد أن أوشكت مصر أن تهزمهم الهزيمة النهائية في سيناء. فقرروا الانتقال إلي قلب الوطن. وبدأوا من العاصمة، أليست العاصمة رمزاً لمصر كلها؟ علي الأقل رمز معنوي ووطني لكل ما تمثله مصر.
لست محللاً عسكرياً، ولا خبيراً أمنياً. ولكني مواطن يحب بلده. هكذا نشأ، وهكذا سأظل حتي آخر لحظة في العمر. لكن سأعطي نفسي الحق في أن أنظر للأمر محاولاً أن أخرج من الوقائع إلي التحليل والدراسة.
لديَّ أمنية وعندي إحساس. أما أمنيتي أن تكون هذه العمليات الأخيرة بنقلتها النوعية وتطورها المفاجئ حلاوة روح. والمعروف أن الإنسان في لحظاته الأخيرة تأتيه حالة من حلاوة الروح تسبق النهاية. أما إحساسي الذي أخشاه ولا أحب أن أتوسع في الكلام عنه أن تكون هذه العمليات نقلة نوعية جديدة.
مشكلة هذا الصراع - الأولي والأخيرة - أن شعب مصر وفي المقدمة منه جيشه العظيم وأمنه الباسل يواجه عدواً مستتراً. فيه خسة العدو الذي لا يستحق شرف العداء لا نعرفه. وليست لدينا معلومات دقيقة عما يمكن أن يقوم به. والمفاجآت التي يقدم عليها ويقوم بها كثيرة. لدرجة تصيب الإنسان بالهول.
بعد حوادث الجمعة الثلاثة، وحادث الأحد الدامي، قلت لنفسي لا تحاول البحث عن عنوان. إنها الحرب. صحيح أن الطرف الآخر خسيس وخبيث، ولا يتمتع بأي صفة تربطه بهذا الوطن. وليس من حقهم أن يدعوا أنهم مصريون. والحرب تكون حرباً مع عدو معلن، تعرفه وتحدد مصادر قوته، وترسم خططك علي هذا الأساس، وتتعامل معه في ميدان قتال معروف. وتجري بينك وبينه معارك يمكنك أن تتلمس بداياتها وتتوقع نهاياتها.
هذه المرة تخوض مصر حرباً غريبة، لا يمكن أن تكون فصلاً جديداً من فصول حروبها دفاعاً عن نفسها. فمصر - دائماً وأبداً - لم تعتد علي أحد، ولم تسع لقتال أحد. ولم تحاول كسر أحد. لكنها دافعت عن نفسها علي مدار التاريخ. فما أكثر الغزاة، وما أكثر المحتلين، لأن موقع مصر الفريد ودورها المتميز، وطبيعة شعبها غير القابلة للتكرار بقدر ما هي نعمة. ففي بعض الأحيان يخيل إليّ أنها أيضاً نقمة، تفرض علينا المزيد من اليقظة والمزيد من الحرص والمزيد من الوعي.
للأسلحة من يمكنه أن يتحدث عنها، وللمعارك من يستطيع أن يحللها ويدرسها ويتناولها ويستخرج منها الدروس المستفادة والعبر الكبري، لكني سأتوقف الآن أمام قضية كررها الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر الشباب الثاني، الذي انعقد بفندق الماسة يوم السبت الماضي. لقد تحدث الرئيس أكثر من مرة - مع أنه من النادر أن يعيد ما سبق أن قاله ولديه حرص علي ذلك - تحدث أكثر من مرة عن قضية الوعي. وعن المواطن العادي.
بل إن الوزراء الذين تحدثوا عما يخصهم في وزاراتهم كان مطلب الرئيس عبد الفتاح السيسي الأساسي منهم أن يتكلموا كلاماً يمكن أن يستوعبه المواطن العادي. بعيداً عن الكلام الذي يقولونه موجهاً إلي النخبة. لأن المواطن العادي هو اهتمام الرئيس الأول، والرقي بحياته هو قضيته التي تسبق أي قضية أخري، ومشاركته في أمور بلاده خط أحمر بالنسبة له.
وأي مشاركة مجتمعية وأي حوار مجتمعي حول قضايا الوطن لابد أن يبدأ في الوعي، والدفاع عن بلادنا لن يبدأ إلا في الوعي. لذلك أتصور أن قضية الوعي الفردي التي يمكن أن توصلنا إلي الوعي الجماعي مسألة شديدة الأهمية. وعلينا أن نعتبرها من القضايا الأساسية أمامنا، بصرف النظر كانت هذه العمليات هي الأخيرة - وهذا ما أحلم به - أو أن يكون بعدها عمليات أخري لا قدر الله ولا كان.
كل ما يجري للإنسان. وما يقوم به أو يفعله، يبدأ في عقله. يبدأ من عقله، ومن إدراكه. القرارات الجميلة تخرج من العقل. والتصورات السيئة تبرز من العقل. والعقل لابد أن يتوفر له قدر كبير من الوعي والإدراك. ولذلك علينا أن نعتبر أن وعي الناس مسألة شديدة الأهمية، لا أقول إضاءة العقل، ولا إظلام العقل. ولكن أن يتوفر لدي المواطن العادي الحد الأدني من الوعي والإدراك بكل ما يجري في بلاده.
الوعي صمام أمان حقيقي لشعب يحاول أن يعيد بناء نفسه. وأن يتلمس الطريق نحو شخصيته القومية. وأن يستعيد ما فاته. أعرف أن الطريق صعب وطويل، ولا توجد انتصارات قريبة يمكن أن تحدث. لكن طول الطريق وصعوبة العمل لا تنفي أبداً أننا لابد أن نحاول وأن نعمل وأن نتكاتف في ذلك.
الوعي مسألة تتجاوز بعض الوزارات. لا يقول لي أحد أنها مهمة وزارة التربية والتعليم، أو التعليم العالي، أو الثقافة، أو الإعلام - الوزارة التي اغتلناها في أحد التعديلات الوزارية مع أننا في أمس الحاجة إليها - الوعي والإدراك مهمة مجتمع بأكمله، يتساوي فيه الحاكم بالمحكوم، الكبير والصغير، الأمي والمتعلم، المثقف والنخبوي والإنسان العادي، ساكن القرية ومن يعيش في حي شعبي ومن يحيا في كمباوند حديث، حيث تبدو الحياة قريبة من حدود المثال.