الأهرام
عبد الجليل الشرنوبى
مشروع القتل العالمى
يفرض القتلة شرعتهم على واقعنا دماءً تتناثر غير مفرقة بين كونها على عتبات مسجد أو فى قدس أقداس كنيسة، بينما يأتينا صوت وزير الخارجية الأمريكى عبر منتدى حوارات المتوسط التى كانت قبل أيام، ليؤكد ما سبق وطرحته سلفه (كوندوليزا رايس) من قلب دولة الكيان الصهيونى قبل أكثر من عقد مضي.

تنفجر الأبدان داخل صالة الصلاة فى الكنيسة البطرسية بالعباسية، وقلوبها تلهج بترانيم اليقين فى إله غفور رحيم، بينما يقطع صوت الآهات المتألمة لمن أصيب، والصرخات الفزعة لمن نجا، صوت الوزير كيرى يقول (لا تخافوا فالعالم لا ينهار، وما هذه الآلام التى يعيشها العالم، سوى آلام مخاض لعالم يولد من جديد، وكل القلق الذى يعترى الكوكب هو قلق مبرر، خشية ألا يصبح كل شيء على ما يرام بعد ذلك التشكل الجديد وتلك الولادة).

يفقد البشر على كوكبنا أغلى هبات الله لهم (الحياة)، بينما سيدة العالم (أمريكا) تبعث لنا كل حين رسولها ليؤكد لنا أن هذه الخسارة الكبرى ما هى إلا (آلام مخاض) لعالم جديد يولد من رحم العولمة الأمريكية، هذه المرة يصرح «كيري» من (روما) وليس (الكنيست)، بينما يجلس أحد أهم ممثلى التنظيم الدولى للإخوان (راشد الغنوشي) منصتاً، بينما يتابع ممثل الدولة العبرية ما يدور عبر (الفيديو كونفرانس) بينما يتابع وزير خارجيتنا ما يدور!.

إذن يدفع الإنسان المصرى والعربى فاتورة المشروع الأمريكى الجديد للمنطقة، ولا يقتصر الدفع على فواتير الحياة التى نفقدها، بل يتعداها إلى فقد الأوطان والإيمان والهوية، ويصير على المواطن المصرى أو العربى أن يتحول بفعل (العولمة) إلى قاتل يرفع لواء الجهاد فى وجه بنى جلدته، أو مبرر لقاتل يؤصل شرعاً لسفك الدماء البريئة، أو دافع لقاتل يستفز عوامل الجهل فى وعى جهول ليقتل، أو مسوق لقاتل يقتات على جرائمه. أو يتحول إلى مقتول بفعل قتلة يتنازعون على سلطان لن ينالوه.

إن هذه السطور يا سادة ليست رثاء لضحايا جدد لحالة مخاض العالم المنشود أمريكياً، وإنما هى تعرية لأصل المعركة، وأعنى بها معركة الوجود المصرى على خريطة العالم الجديد، والتى تستوجب تعرية أهم أدوات (المشروع المؤامرة)، والذى يستهدف عالماً جديداً أو بالأحرى (شرق أوسط جديد)، حسبما بشرت السيدة رايس من الكنيست قبل عقد مضي.

وحال تحديد دقيق على هذا النحو لأصل الخطر (الشرق الأوسط الجديد)، نكتشف أننا غير مهووسين بنظرية المؤامرة، حيث إنها باتت واقعاً نحياه منذ احتلال العراق بدعوى تحريرها من استبداد الراحل صدام حسين، ويوقظنا هكذا اكتشاف على أهم أدوات تشكيل هذا الواقع الجديد، وأقصد تحديداً تنظيمات (التطرف) والإخوان على رأسها.

إننا نتحدث عن أدوات صناعة الشرق الأوسط الجديد، والتى يعيد «كيري» التبشير به، بينما ممثل التنظيم الأم لـ التطرف ـ راشد الغنوشي- عضو مكتب الإرشاد العالمي، يجلس منصتاً بعدما صار له مقعد بين مقاعد ولاة الأمر فى منصة انتظار ميلاد عالمنا الجديد الذى تقطعت أوصال قديمِهْ بفعل تنظيمه والتنظيمات النابتة عنه.

وإذا كان المشروع الدموى الجديد قد تبدت ملامحه، والأدوات أى تنظيمات التطرف صارت علنية الإشهار، والحضور، والفعل، فإن المعنى بالمستقبل فى أوطاننا عليه أن يعيد النظر فى حسابات إدارة المشهد التى باتت معادلاتها تئن من رتابة تبادل الأدوار بين عداء علنى ومهادنات سرية، وصار البحث عن مسارات جديدة لإدارة المشهد واجب وطنى يحتمه الولاء للوطن، ولازم فطرى يفرضه الانتصار للحياة والسعى للنجاة بالنفس.

إن الإرهاب الذى ضرب مصر فى قلب عاصمتها، تارة أمام مسجد (السلام بالهرم)، وثانية بعد قرابة 48 ساعة فى قلب ساحة صلاة الكنيسة البطرسية بالعباسيية، يؤكد بما لا يدع مجالاً لشك أننا لم نغادر خانة الاستهداف للوطن المصري، وبتصريح السيد «كيري» يصير على المفوض بالإدارة أن ينقل المعركة من غرف الإدارة إلى مشهد الشعب ليكون عند حجم التحدي، وليكون (صاحب السيادة) عند حدود المسئولية، فحقيقة الأمر تتجاوز حدود الطمأنة بعبارات من عينة (مصر خالية من الإرهاب)، إلى تفعيل حقيقى لعبارة (مصر تواجه الإرهاب).

وهذا التفعيل يستلزم عموم التأهيل، فلا فرق فى الحرب الشاملة التى يواجهها المجتمع كله، بين مختص بفعل الأمن (الجيش والداخلية)، وبين صانع لوعى المرحلة (دين وإعلام وإبداع)، وبين محفز لطاقات البناء (سائر النسيج الإدارى للدولة)، أو مكمل لمشهد البناء المجتمعى (أحزاب وقوى مدنية).

أن منْ زرع قنبلة أمام مسجد السلام ومن مررها إلى داخل الكنيسة البطرسية، لم يكن يستهدف زعزعة نظام حكم فحسب، بل إنه استهدف ولا يزال (إعادة رسم خريطة وطن)، وبالتالى فمن حق كل مواطن أن يكون على بينة بطبيعة المعركة، حتى يتسنى له القيام بلزومياتها مواجهة وتحصيناً كونه خاسرا رئيسا حال تحقق المؤامرة.

إن توسيع رقع الدم وفرضه مشهدا يومياً، جزء لا يتجزأ من مشروع أوسع، وإن واقعنا بات فى أمس الحاجة إلى (نفير وطنى شامل)، فالجميع مستهدف ومسئولية الحكم تفرض تنبيه المجتمع سعياً لتفعيله ليقاوم، فعالمية مشروع القتل لن يواجهها إلا عقيدة مقاومة شعبية يمكن أن تختار الموت شهادة على أن تقبله للمشروع الأمريكى للمنطقة سيادة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف