توصف مصر بأنها أم الدنيا. وجد فيها عمرو بن العاص. ولاية جامعة تعدل الخلافة.. ووصفها نابليون بونابرت بأنها "أهم بلد في العالم".. وكان المصريون القدماء يؤمنون أن الوادي هو جنة الآخرة. وأن معني الخلود بعد الموت هو العودة إلي هذه الأرض. ثم الموت. ثم البعث إليها مرة أخري. وهكذا.. فاللَّه لم يخلق جنة غير مصر.. ويقول الراوي: "في البدء كانت مصر براري مقفرة. وتحط الظلمة علي البحيرات والحشائش. وفي الليل تخرج الحيوانات هائمة علي وجه الأرض.. ورأي الإنسان المياه تغرق اليابس كل عام. فأقام الجسور. وشق الترع. واستأنس الخراف والماعز والكلاب. وزرع الأرض. وربي الدجاج. وعرف طحن الغلال".
من هنا كان قول الأفندي في عودة الروح لتوفيق الحكيم متفاخراً: "أهل مصر شعب عريق. فين 8 آلاف سنة واحنا في وادي النيل. وكنا نعرف الزراعة والفلاحة. ولنا قُري ومزارع وفلاحين. وقت ما كانت أوروبا لسه ما وصلتش حتي لدرجة التوحش".. ويقول عالم الآثار الفرنسي: هذا شعب قديم. جيء بفلاح من هؤلاء. وأخرج قلبه. تجد فيه رواسب عشرة آلاف سنة من تجارب ومعرفة. رسب بعضها فوق بعض. وهو لا يدري!!".
مصر بلد لا تكاد تغيب عنه الشمس. وعندما يحن الراوي إلي مصر. فإنه يحن إلي مائها العذب. وسمائها الزرقاء. وشمسها الوهاجة. ولياليها الساحرة.. ويصف الفنان مصر بأنها "الخير والنماء. والخبز الشهي. والجعة اللذيذة. فتيات الحور. وماء النيل. الشمس المشرقة والنسيم العليل. أم الدنيا وقلبها. مَن أمسكها أمسك الدنيا بأسرها".
الراوي يسلم نفسه لرحلة في الزمان والمكان. فيري رمسيس يشيد أمجاده علي أرض مصر. ويري نفسه جندياً من جنود رمسيس. أو جندياً من جنود سيزوستريس. أو وهو ملقي في الحديد والقيود حول يديه وقدميه في زمان قمبيز. ثم الحياة في عهد الإسكندر. فكليوباترا وقيصر وأنطونيو. ثم تهادي الرسالات السماوية.وقدوم موسي إلي أرض مصر. ثم مجيء المسيح. ثم الفتح العربي بقيادة عمرو بن العاص. وما تلا ذلك من الإيمان بالإسلام الذي التحم بالإيمان. بالدين الإسلامي في إطلاقه.. ويتحدث فتحي غانم علي لسان أحد المؤرخين: "أنا مصري. أكلت طعام مصر. المش والبصل والفجل والفول المدمس.. شممت هواء مصر. شممت روث البهائم والحطب. وملأت أنفي عواصف الخماسين. استنشقت عبير الورد البلدي والياسمين. رأيت مصر بعيني. ومشيت في دروبها وأزقتها وحواريها وشوارعها. لعبت في الحقول. وسرت في الصحراء. عانقت أمي والحناء في شعرها. والملس علي جسدها. أفهم لهجة بحري. ولهجة الصعيد.. مشيت في جنازات. صليت في الزاوية والمسجد. حركت الشادوف. حزنت مع غروب الشمس في الصحراء. سمعت الكروان يردد: الملك لك.. رأيت التمساح محنطاً فوق الأبواب. راقبت أبوقردان يملأ الأشجار. كأنه القطن الأبيض. أبوفصادة والغراب وفرس النبي. الفطير المشلتت. والخبز البتاو والشمسي. والجلباب الأزرق والفأس. والمساقي والترع. والقناطر الخيرية والهويس. أغاني الصبا والموال والناي والأرغول.. إلخ.. ويعلن الراوي: "أحبها "مصر" كما هي. وكما أشتهي أن تكون. بكل ما فيها من متاعب. وبكل ما أرجوه لها من رفعة وسموق.. أحب التليفون فيها لا يجيب. ولا يبدأ حديثاً. وشوارعها بما صارت إليه. وأتوبيسها مليئاً بالبشر متهالكاً. وقطارها وقد علاه الآدميون حتي لا يبين. وأحبها وقد زالت عنها آثار الحروب هذه. وعادت مرة أخري عروس الشرق ومنارته".
هذه هي مصر.