المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. جُرحنا وطني .. وليس طائفياً
لم يغب عن الإرهابيين الذين دبروا ونفذوا جريمة الكنيسة البطرسية الواقعة في محيط الكاتدرائية المرقسية بالعباسية رمزية المكان والزمان. وما يمكن أن يترتب علي هذه الرمزية من نتائج سلبية علي وحدة الشعب المصري.. فقد كان ملف الوحدة الوطنية ـ ومازال ـ هو الهدف الأول الذي يعبثون به. أملاً في تدمير قِوَي المناعة الطبيعية لدي الشعب المصري.
اختاروا لجريمتهم المكان الأكثر أهمية في المؤسسة الدينية القبطية علي المستويين المحلي والعالمي.. ليقولوا للجميع إن أياديهم القذرة قادرة علي الوصول لأكثر المواقع الدينية تأميناً وسط العاصمة.. لا يمنعهم عن ذلك ضمير إنساني. ولا إجراءات أمنية مشددة.
واختاروا زمن الجريمة في اليوم الذي يحتفل فيه المصريون. المسلمون بالمولد النبوي الشريف.. ويتلقون التهاني والتبريكات من إخوانهم المسيحيين.. وأرادوا أن يجعلوا من هذا اليوم السعيد يوم حزن وفرقة وريبة وفتنة.
لكنهم.. ورغم الصدمة التي أحدثوها.. نجحوا دون قصد منهم في توحيد صفوف المصريين من جديد ضدهم.. وضد جرائمهم.. ورغم مشاعر الحزن التي خيمت علي المصريين جميعاً إلا أن الجريمة البشعة أيقظت روح التحدي في هذا الشعب.. الناس تبكي وهي تجمع أشلاء الضحايا الأبرياء لكنها تعلن بكل تصميم أنها لن تستسلم لهذا الإرهاب الأسود.. ولن تجعل الإرهابيين يشعرون بلذة النصر وتحقيق أهدافهم.. بالعكس سيظل المصريون يداً واحدة قوية وقادرة.. وعصية علي الانكسار.
الجريمة بشعة بلا شك.. والمفاجأة صادمة.. ومازلنا في انتظار التحقيقات لنعرف مواطن الخلل والتقصير.. والثغرات التي تسلل منها المجرمون إلي داخل الكنيسة رغم الاحتياطات الأمنية المحكمة التي لا تخطئها العين.. كيف تم إدخال هذه الكمية الهائلة من المتفجرات دون أن ترصدها الكاميرات.. ودون أن تكتشفها إجراءات التفتيش؟!
لقد وقعت الجريمة القذرة ضد أناس آمنين جاءوا إلي كنيستهم لا لشيء إلا للصلاة ومناجاة الخالق جل شأنه.. لم يعتدوا علي أحد.. ولم يؤذوا مشاعر أحد.. لم يشغلهم غير أداء شعائر دينهم في سلام وطمأنينة يوم الأحد.. اليوم المقدس عندهم.. وكان المجرمون قد نفذوا قبلها ـ يوم الجمعةـ اعتداءً آثماً علي كمين للشرطة في الجيزة بالقرب من مسجد السلام دون أدني توفير واحترام لقدسية أماكن العبادة وحرمة الدماء البريئة.. يستوي في ذلك المسجد والكنيسة.
ويقيناً خاب ظنهم.. لأن كل رهاناتهم فشلت أمام صمود ووحدة الشعب المصري.. فشل مخطط العبث بملف الوحةو الوطنية.. وفشل مخطط إثارة الفتنة وبث الفرقة.. ورأينا في المقابل صورة رائعة للتضامن والتعاون بين المصريين جميعاً.. لا تستطيع أن تميز فيها بين المسلم والمسيحي.
صحيح أن الألم يعتصر القلوب والجرح ملتهب.. لكنه جرح وطني وليس طائفياً كما أراد المجرمون.. الجرح جرح كل المصريين الذين يعزون أنفسهم ويواسي بعضهم بعضاً.. ومثلما خرجت مصر قوية متماسكة من جريمة كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة عام 2011. فسوف تخرج قوية متماسكة أيضاً من جريمة الكنيسة البطرسية.. فالمصريون يعرفون أن وطنهم هو المستهدف.. ووحدتهم هي المستهدفة.. ومن ثم لن يفرطوا في وطنهم ولا في وحدتهم.
لقد ذقنا مرارة الحزن علي شهداء الكنيسة في بيتنا.. بعد أن اكتشفت ابنتي أن زميلتين لها بين الضحايا الأبرياء.. ولا شك أن كثيراً من البيوت المصرية قد ذاقت هذه المرارة.. لكن عزاءنا جميعاً أن مخطط العبث بوحدتنا الوطنية قد فشل.. ودائماً سوف يفشل.. لأن ما جمعه الله لا يفرقه بشر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف