د . حسن المصرى
المعارضة السورية.. إلي أين؟
بينما المراقبون الدوليون يتابعون مدي صدق التنبؤات التي تتحدث عن إيجابية نتائج المفاوضات التي كانت تجري سراً - في تركيا - بين بعض قيادات المعارضة السورية المسلحة في حلب والعسكريين الروس، إذا بالطرف الأول يطالب بهدنة » إنسانية فورية » لخمسة أيام !! يتم خلالها إخلاء من يحتاجون لرعاية طبية بإشراف من الأمم المتحدة لتلقي العلاج بعيداً عن مناطق الاقتتال..
قبل يومين من تقديم المعارضة لهذا الطلب، أكدت صحيفة الفاينانشيال تايمز البريطانية في تقرير لها نشرته يوم 3 ديسمبر أن عناصر من هذه القيادات السورية تشارك ضمن وفد تركي في هذه المباحثات، لن تنسحب من الميدان وستواصل الدفاع عن الأراضي التي مازالت تحت يدها، وأنها تخطط لتحقيق بعض المكاسب المادية والمعنوية قبل الاجتماع الوزاري لـ » أصدقاء سوريا » المقرر عقده في باريس منتصف الشهر الحالي..
تؤكد بعض التقارير الأوربية أن قيادات المعارضة اقترحت - خلال لقاءات التفاوض - أن يتم إخراج عناصر » فتح الشام » الجهادية التي كانت تعرف باسم » جبهة النصرة » من شرق حلب مقابل وقف القصف، دون أن يُفرض عليها الشروط التي تم بموجبها إجلاء اكثر من ثلاثة آلاف شخص مسلح ومدني من بلدة خان الشيخ إلي محافظة إدلب بموافقة من دمشق بعد أن سلموا اسلحتهم المتوسطة والخفيفة للجيش السوري..
وتؤكد هذه التقارير من جانب آخر أن مطلب المعارضة هذا اصطدم بوجهة النظر الروسية، التي تصر علي..
1 - ضرورة ترحيل جميع » الإرهابيين » وليس عناصر جبهة النصرة فقط، خاصة الأجانب منهم..
2 - رفض وصف قيادات المعارضة للعناصر الإيرانية التي تقاتل إلي جانب القوات النظامية، بانها هي أيضاً أجنبية ويجب إخراجها من المعادلة..
3 - ليس هناك استهداف من جانب الغارات الجوية علي شرق حلب، للمدنيين وأن من لقي حتفه منهم تم بطريق الخطأ..
4 - إبعاد مطلب تنحية الرئيس السوري عن أجندة التفاوض، لأنه أمر لا صلة له بوقف القتال أو بمواصلته..
وصف سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي ضمن مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم 6 ديسمبر انسحاب أمريكا المفاجئ من مباحثات جنيف حول خروج كل المسلحين من مدينة حلب » بلا استثناء بأنه » إخلال بما سبق الاتفاق عليه » وقال إن محاولة واشنطن شراء الوقت لكي يتمكن الإرهابيون من التقاط أنفاسهم بهدف إعادة ترتيب اوضاعهم الدفاعية، فاشلة ومكشوفة.. وختم تعليقاته بالتأكيد علي ان أي فصيل يمتنع عن تنفيذ مطلب الخروج من شرق حلب » بالحسني » سيتم القضاء عليه..
تحت ضغوط هذا التصريح، تقدمت بعض قيادات المعارضة المدعومة من تركيا بمطلب الهدنة الفورية.. وسارع البعض الآخر الذي يدين بالولاء لواشنطن بالاعتراض علي المطلب مدعياً أنه يمثل تنازلاً عن حقوق المواطنين المطالبة بمواصلة الجهاد حتي يسقط النظام.. وانتهزت مجموعة ثالثة، ترفع راية الشريعة الإسلامية، مشاهد الأوضاع المتردية وقامت باقتحام مقرات غيرها من المنظمات وقامت بالاستيلاء علي ما بها من عتاد ومواد إغاثية بهدف فرض الأمر الواقع علي الأرض..
كشف هذا التخبط من جانب قيادات المقاومة عن خلل في علاقاتها ببعضها البعض وعن تضارب في رؤيتها بسبب الخسائر المادية والمعنوية التي تعرضت لها البعض منها والتي اضطرت علي أثرها للانسحاب من شرق حلب بشكل فردي او جماعي !! بل إن بعضها سلم نفسه وأسلحته للقوات الكردية في منطقة الشيخ مقصود.. والتزم آخرون الصمت..
يمكن القول ايضا ان الإدارة الأمريكية أصابها تخبط من نوع مختلف.. إذ سارع وزير خارجيتها إلي عقد لقاء مكثف مع نظيرة الروسي علي هامش الاجتماع السنوي لمنظمة الأمن والتعاون في أروبا الذي عقد في مدينة هامبورج الاربعاء الماضي، قبل أن يمضي علي انسحاب ممثليها من مباحثات جنيف سوي أربع وعشرين ساعة..
عدد من التقارير ترجع التخبط الأمريكي، إلي..
أولاً.. المرحلة الانتقالية الحساسة الفاصلة بين إدارة تغرب شمسها تكاد تنفض يدها من مسئولية تفعيل الملف السوري وإدارة في انتظار اليمين التي سيحلفها الرئيس الجديد، لكي تحدد ملامح تعاملها معه..
ثانيا.. تعامل واشنطن المهتز منذ أشهر طويلة مع حكومة روسية لا تتوقف لحظة واحدة عن استغلال تراجعها الإستراتيجي علي مستوي الشرق الأوسط، لكي ترسي قواعد جديدة لنوعية التعاون بين الطرفين بدءاً من يناير القادم..
في خضم هذا التضارب.. نلاحظ أن كل الأطراف لا تُلقي بالاً لآلاف الأسر التي اضطرت لترك مدينة حلب التاريخية إلي المجهول سواء كان إلي المناطق التي تسيطر عليها القوات النظامية أم إلي غيرها، فرغم احتياجها جميعاً لمراكز الإيواء ومتطلبات الحياة اليومية من غذاء وعلاج ورعاية مجتمعة.. لم تحظ إلا ببيان من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون طالب فيه علي استحياء بوقف القتال..
أكثر من ثمانين بالمائة من حلب الشرقية عاد إلي حوزة حكومة دمشق وقواتها النظامية، وتؤكد المؤشرات أن عمليات تطهير الأجزاء الباقية من المدينة تسير علي قدم وساق وربما يتم طرد من لا يزال يتحصن بها من قوات معارضة قبل نهاية الشهر الحالي..
هذا التطور المتصاعد من جانب التحالف السوري / الروسي / الإيراني لا يُرضي العواصم الغربية التي قالت صحيفة التايمز يوم 8 الجاري انها ستبذل كل ما في جهدها لـ » وقف كافة الفرص التي تعمل طهران علي استغلالها لكي تُحقق مكاسب إستراتيجية بعد إعلان النظام الحاكم في سوريا انتصاره القريب في معركة حلب الدائرة علي قدم وساق..
أين فصائل المقاومة السورية من كل هذا الزخم؟..
أزعم أن مكانها يتقلص علي مدار الساعة.. لما فقدته من مواقع علي الأرض وما أضاعته من سلاح وعتاد حربي.. وللخلافات المتعمقة التي تتفشي بين قياداتها.. ولعدم قدرتها علي حسم قرارها بدخول الحرب او التفاوض من اجل السلام.. واعتراضها علي المبادرات التي تسعي لإبعاد المدنيين عن مواقع النيران..
فهل هي إلي زوال؟ يخطئ من يعتقد ذلك، اشارك الكثيرين توقعهم ان تتحول إلي بؤر جهادية وخلايا انتقامية..