الأهرام
جمال عبد الناصر
طريق النجاة.. من أين؟
إحياء قيمنا الأخلاقية هو شيء مهم في أيامنا هذه، ومن هذه القيم وأهمها ما يتعلق بالمعاملات مع الناس، سواء في الإخبار أو الشهادة، ومن هذه القيم النبيلة قيمة الصدق، فالصدق يقود صاحبَه إلى النجاة، والصدق يُكسب صاحبه الثقة بين الناس، والصدق ينصلح به حال البلاد والعباد.
قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: 119]، وَقالَ تَعَالَى: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} [الأحزاب: 35]، وَقالَ تَعَالَى: {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد: 21]، فالصدق فيه الخير دائمًا للبشرية، وما ذاقت البشرية الشقاء إلا عندما تخلت عن قيمة الصدق.
عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "إنَّ الصِّدقَ يَهْدِي إِلَى البرِّ، وإنَّ البر يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا. وَإِنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكتَبَ عِنْدَ الله كَذَّاباً"، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وعن الحسن بنِ عليِّ بن أبي طالب -رضي الله عنهما-، قَالَ: حَفظْتُ مِنْ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم : "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ ؛ فإنَّ الصِّدقَ طُمَأنِينَةٌ ، وَالكَذِبَ رِيبَةٌ" رواه الترمذي ، وَقالَ: حديث صحيح.
وعن أبي سفيانَ -رضي الله عنه- في حديثه الطويلِ في قصةِ هِرَقْلَ، قَالَ هِرقلُ : فَمَاذَا يَأَمُرُكُمْ - يعني: النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ أبو سفيانَ: قُلْتُ: يقولُ: "اعْبُدُوا اللهَ وَحدَهُ لا تُشْرِكوُا بِهِ شَيئاً، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ، ويَأْمُرُنَا بالصَلاةِ، وَالصِّدْقِ، والعَفَافِ، وَالصِّلَةِ" مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
فيا له من خُلُق عالٍ يقود صاحبه إلى الجنة، فهلا التزمنا الصدقَ، واجتنبنا الكذبَ الذي يقود صاحبه إلى النار والعياذ بالله؟! أم ما زال الكثيرون في غفلة من أمرهم يستسيغون الكذب ويستسهلونه، ويعطون معسول الكلام والوعود البراقة دونما ضابط، ويطوقون أعناق مديريهم بهالات الكذب التي يفتعلونها لينالوا مآربهم، وصَدَقَ من قال عن الكذاب:
يعطيك من طرف اللسان حلاوةً *** ويروغ منك كما يروغ الثعلبُ
لا خيرَ في ودّ امـــــــــــــــــرئٍ متقلــــــــبٍ *** يهفو إلــــــــــــــــــــــيك وقلبه يتقلبُ
وللأسف هناك هذه الأيام من وطّن نفسه ودرّب لسانه على الكذب والافتراء وترويج الأباطيل وتضخيم الأحداث، ونسي أو تناسى أن الكلمة أمانة، وأنها قد تهوي بصاحبها في النار سبعين خريفًا وقد تدخله الجنة إذا كانت كلمة طيبة، وراح يشوش على مَنْ يعمل وينتج ويضخم أخطاء من يخطئ ويقصر.
وهكذا تستمرئ نفوس هؤلاء المؤجرين الكذبَ وتروج للباطل، فالنفس كلما ترك لها صاحبها العنان تمادت في غيها، وراحت تستبيح المحظور وتستسيغه، فلا أدري كيف ينام وتهدأ أعصابه هذا الذي يروج شائعات وهو يعلم أنها كذب؟!! كيف يرضى عن نفسه؟ كيف يعيش في مصالحة مع النفس؟!
وماذا سيفعل يوم أن يُسأل أمام الله، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟ ماذا سيفعل يوم أن يختم الله على فمه وتتكلم يداه ورجلاه وجلده وتشهد عليه أمام الله؟ قال ربنا سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس: 65]، وقال تعالى: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21].
هؤلاء الإعلاميون المؤجرون الذين رضوا بالكذب مهنة -والعياذ بالله- لِمَ لَمْ يستخدموا ما لديهم من مواهب في تطوير المجتمع وإصلاح أخلاقه وإرشاده إلى ما فيه الخير؟! لماذا يقلقون الناس في بيوتهم؟ ما يهمهم هو أن يجمعوا الأموال من هنا ومن هناك، ويضخمون الأحداث ويهولونها، كي يشعر المواطن بالهزيمة النفسية، ويتلاعب بأعصابه، فالصدقَ الصدقَ يرحمكم الله؛ فإنه وحْدَهُ طريقُ النجاة، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حيث قال: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، الصدقُ طمأنينةٌ والكذبٌ رِيبةٌ"، فهذا هو طريق النجاة والفلاح بمشيئة الله تعالى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف