العادة اننا نقترح. ونجتر اقتراحاتنا. لكن تنفيذ ما نقترحه. ونجتره. يظل - غالبا - في إطار الأمنيات الجميلة. لا نسعي إلي تطبيق ما نراه ضروريا للتغيير والتعديل. فإذا حاولنا مجاوزة ما اعتدناه. وبدأنا في إصلاح الحال المائل. ملنا عن الخط المستقيم بإضافات وحذف واستثناءات. فيظل الاصلاح مجرد أمنية.
عندما تأخذ المشكلة صورة الظاهرة فإن الحلول يجب أن تأتي حاسمة. تطرح الوسائل العملية والعلمية. وترفض الأفكار المحلقة. والتي تخاصم الواقع. فتأخذ طريقها إلي الحفظ في الأرفف والأدراج.
العكس - كما نعرف - هو ما تحرص عليه الدول المتقدمة. تدرك قيمة الوقت. وأن نصيحة لا تؤجل عمل اليوم إلي الغد التي كنا نقرأها في كراريس المدارس ليست مجرد كلمات بليغة. لكنها طريق ينبغي أن نحرص علي السير فيها. حتي لا تتراكم من حولنا الأخطاء. وتتحول الظاهرة الواحدة إلي ظواهر. وإلي تشابكات من الفوضي التي يصعب حلها.
الزحام. والتلوث البيئي. وفوضي المرور. مشكلات نعيشها. نطمح للتخلص منها. أنشأنا وزارة للبيئة. ألفنا المجالس المتخصصة. عقدنا المؤتمرات. ونظمنا الندوات. وتوصلنا إلي الكثير من الاقتراحات التي تجعل العيش في القاهرة - والعديد من عواصم الاقاليم كذلك - أشد يسرا. لكننا نكتفي بشدة الغربال. ثم يعود الحال إلي ما كان عليه. أو نصدر القوانين التي تعيبها العبارات المطاطة والاستثناءات. وتظل المشكلة قائمة. فإذا ألحت المشكلة. عدنا إلي عقد المؤتمرات والندوات ورممنا ما سبق إصداره من قوانين. وتعود الساقية إلي الدوران.
التلوث مشكلة عانتها العاصمة الفرنسية في الأيام الأخيرة. أقصد أنها لم تستمر منذ عقود كما هو الحال في قاهرتنا المحروسة. بدأت المؤسسات المسئولة في قصر سير السيارات يوما بعد يوم. الأرقام الفردية في يوم. والأرقام الزوجية في اليوم التالي. وتحديد السرعة. سعيا لتقليل نسبة العادم. ومن ثم تقليل نسبة التلوث في عاصمة النور.
لم يلجأ المسئولون إلي العادة التي مللناها. واعتدنا غياب ايه نتائج حقيقية لها. وهي عقد المؤتمرات والمهرجانات وتنظيم الحملات المرورية التي يقتصر هدفها علي زيادة موارد الخزانة العامة. حين يغيب أي دور لوزارة البيئة - بالمناسبة. لأن معالي الوزير ممن يفضلون العمل في صمت فأنا لا أعرف اسمه الكريم!- وتغيب أيه نتائج حقيقية للتلوث البيئي الذي يضع القاهرة في المرتبة الأولي بين عواصم العالم.
لعلك تذكر أن هذا القرار الذي بدأت باريس في تطبيقه. قدمته اقتراحاتنا المتعاقبة لحل مشكلات الزحام. وما يتصل بها. في القاهرة. لكنها ظلت عند حد الأمنيات. أو أن أمواج التطبيق الخاطئ جرفتها.
إذا أراد الله بقوم سوءا اعطاهم الجدل ومنعهم العمل. مقولة للإمام علي بن ابي طالب رضي الله عنه.
هل نتأملها؟