المساء
مؤمن الهباء
بين مفيد والقعيد "2"
كتبت في هذه الزاوية مقالاً يوم الخميس الماضي تحت عنوان "بين مفيد والقعيد" انتقدت فيه بشدة الاتهام الباطل الذي وجهه الإعلامي مفيد فوزي إلي الشيخ متولي الشعراوي ـ رحمه الله ـ بتخصيب الأرض للفكر المتطرف.. كما انتقدت فيه بشدة الإساءة البالغة التي تعامل بها الأديب يوسف القعيد مع القرآن الكريم عندما ادعي ـ زوراً وبهتاناً ـ أن به ما يخدش الحياء.. لكنني مع موقفي هذا أرفض محاولات البعض للتصعيد وجرجرة الرجلين إلي المحاكم بتهمة "ازدراء الأديان" ومعاقبتهما بالحبس.
أدرك جيداً أن ما قاله الأخ "مفيد" والأخ "القعيد" كان له أثر بالغ في إيذاء مشاعر الكثيرين من أبناء الشعب المصري.. خاصة محبي الشيخ الشعراوي والعارفين بقدره ومكانته.. والغيورين علي كتاب الله العظيم من أن يتم التعامل معه بما يستحق من توقير واحترام.. لكننا في كل الأحوال يجب أن نتدرب علي أن الرأي يقابله الرأي.. مهما كان فيه من شطط.. ولا ننصب للناس محاكم تفتيش علي ما في صدورهم وضمائرهم.. ولا نتوسع في اتهام الآخر بازدراء الأديان مادام في الإمكان أن نرد علي الحجة بالحجة.
حرية التعبير التي ندافع عنها ونعمل علي توسيع نطاقها ورفع سقفها تضمن لكل الآراء أن تكشف عن نفسها في مجتمع يسعي للتعافي من ظاهرة الصوت الواحد.. ويطالب بمنع الحبس في قضايا النشر لأصحاب الرأي.. ومادام الأمر لا يمس المقدسات بشكل فج ومتعمد الإساءة فإن من الأفضل أن يظل الحوار في إطار الكلمة والحجة.. وليس بالبلاغات والدعاوي القضائية.
وحتي حينما يكون هناك مساس طارئ بالمقدس في السياق العام للحوار مثلما هو الحال في تصريح الأخ يوسف القعيد حول القرآن الكريم فإن من الأفضل تناول الموضوع في إطاره والتماس العذر والتأويل.. وليس اللجوء إلي المحاكم.
نحن في زمن الدفاع عن الحريات التي تكفل حق الجميع في التفكير والاجتهاد والنقد وليس العمل علي تكميم الأفواه وقصف الأقلام.. يكفينا ما عشناه في ظل الكبت والاستبداد والرأي الأوحد.. وهو ما أسلمنا اليوم لفكر التطرف والإرهاب والتكفير.. نريد أن نفتح كل أبواب الحرية ونوافذها ليدخل إلينا هواء نقي نظيف يساعدنا علي استمرار الحياة.
ونحن في ذلك نتفق مع البيان الذي أصدرته لجنة الحريات بنقابة الصحفيين وأكدت فيه علي أن اتهام مفيد والقعيد لمجرد تعبيرهما عن رأيهما بمثابة عودة إلي عصور التفتيش في الضمائر وتكريس لدعاوي التكفير.. وأن ترهيب الكتاب والصحفيين والمفكرين بناء علي آراء كتبوها سيدفع ثمنه الجميع.
ورفضت اللجنة ـ ونحن معها ـ محاولة إسباغ القداسة علي أشخاص أو أفكار واستخدام ذلك كأدوات لإرهاب أصحاب الأقلام عبر تحريك دعاوي ضدهم بتهم مطاطة.. واعتبرت ذلك تكريساً لأفكار الإرهاب.. وانتهاكاً صارخاً للحريات العامة.. وفي القلب منها حرية التعبير.
وتوضيحاً للأمر.. فإننا نرفض اضفاء القداسة مثلاً علي الشيخ الشعراوي ـ رحمه الله ـ اقتناعاً بمبدأ الحرية الكاملة التي أرساها فقهاء المسلمين في قاعدة ذهبية تقول "كل شخص يؤخذ منه ويرد عليه إلا صاحب المقام الرسول الأعظم صلي الله عليه وسلم".. وبالتالي لو أن ما قاله الأخ مفيد تناول مناقشة فكر الشيخ الشعراوي وتفنيده ونقده لما كان في الأمر شيء.. لكن المشكلة أن الأخ مفيد لم ينقد ولم يناقش وإنما وجه للشيخ الجليل اتهاماً ظالماً وخبيثاً وباطلاً.. أما إشارة الأخ القعيد إلي أن القرآن الكريم به ما يخدش الحياء فإن بها إساءة أدب مع كتاب الله وليس رأي ولا نقد.
ومع ذلك فإن الأفضل في مثل هذه الحالات الرد علي الرأي بالرأي.. وكشف الأخطاء والتنبيه إليها.. وليس المسارعة برفع الدعاوي أمام المحاكمة وملاحقة الكتاب.
الحرية هي الحل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف